آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-10:35م

أدب وثقافة


سأشفي الأن

الخميس - 26 أبريل 2018 - 02:06 م بتوقيت عدن

سأشفي الأن

كتبت / سلوى الإرياني

شيء كئيب ، لا تصفه الكلمات بل ُيذاق. شيء صعب لا تصفه كلمات و لو بلغ عددها ما يعبئ مجلدات. ان تكون على فراش الموت تحتضر و لا يتركك الهمج تموت كما يموت الناس المحترمين في ثبات. شيء صعب ان يباغتك الاجل في تلك اللحظة دونا عن كل اللحظات. طيب لحظة. انا لم انجز بعد ما عاهدت نفسي على انجازه. انا لم ار ما دعوت الله ان يطيل في عمري لأراه. و لا ارتحت اصلا، شهر كامل في عمري. لا تطورت، لا نجحت، لا فرحت، لا استرخيت و لا عشت اوقاتي في روقان و لم اتعرف على راحة البال. لم اتمتع حتى و لو ليوم بما تسميه منظمة اليونسيف  حقوق الانسان ! 

صعب ان تكون ممتد على فراش الموت في بيتك. لا تملك أسرتك المال لإسعافك. صعب ان يبكوك فقط بلا حول و لا قوة لكن بكثير من الاحراج. بعد جهد كبير ينجحون في نقلك الى مستشفى بعد ان يجمع المال عدد من الجيران، فيدخلونك فورا غرفة العناية المركزة. صعب أن تتحشرج روحك في صدرك تبتغي مفارقة جسدك و أهلك حولك. اهلك مساكين لم يكن لديهم حتى قيمة البترول لأخذك بالسيارة الى أي دكان ختانة او غرفة اسعافات اولية. لكن سبحان الله اوجد الله الرحمة في قلوب الجيران. ترى اهلك من خلف زجاج غرفة العناية المركزة. وجوههم مبللة بالدمع. لا حول لهم و لا قوة. تلحظ دموعهم فتختنق ليس بطلوع الروح لكن تخنقك العبرة. يمني انت يمني ، ُتقصف من الخارج و في الداخل ما شاء الله عليك ُتهان. امام ذاتك، امام ابناءك و بحضور الجيران. ترى بعيني روحك المحتضرة عبر الزجاج ابنك البكر ، صار اليوم رجل و ابا لشباب. ينتحب و يلطخ بدمعه الزجاج. تسمع شهيق بكاءه ثم تسمع زفرة.

ترى وجوه احبتك وجه وجه. اما انت فتشعر بنفسك تنزل تدريجيا، تبتعد وجوههم الباكية و تهبط انت يا مسكين وحيدا في الهوة. لعلها القبر و لعل القبر رحمة. من يدري بماهية الموت؟ لا احد يعلم. قد يكون ليل طويل، و قد يكون لقاء بأحبتنا الذين فارقونا نتسامر معهم في اروع سهرة.

شيء صعب... ان تموت و تفارق اليمن و اليمن يقصف. تتنازع جسده البكر مخالب وانياب . مخالب ابناءه و انياب ابو غترة. صعب ان تفارق صنعاء و هي سبيه في ايدي قذرة. صعب و انت منذ ثلاث سنوات تدعو الله ان يطيل في عمرك لحين انتهاء الحرب و ترى اليمن مشرقة، عظيمة، بهية و حرة. صعب ان تمت و ربي لم يستجب لدعائك و ما دمت ستموت ، فهو اذن لن يستجيب لاحقاً على فكرة!

شيء صعب ان تتذكر في تلك اللحظات العصيبة عمر كامل. عمر بحاله! طفولتك ،صباك ، شبابك ، نضجك ، خبرتك، حكمتك و عقلك.  صعب ان تتذكر لأنك يمني كم فشلت ، كم كانت قصص نجاحاتك نادرة و شحيحة. صعب في تلك اللحظة الخاطفة ان تسترجع كم عانيت عمرك كله من آلام طويلة اما الفرح فكان كالرضوض او الاصابة الخفيفة. صعب ان تتضح امامك وجوه احبتك .يدعون لك ، يريدون ان يشفيك الله و يعيدك اليهم. في تلك اللحظة تتدافع عند باب غرفة العناية المركزة وجوه متسخة ، مشعثة الشعر ، مبحشمة. يدفعون اهلك جانبا و يفتحون باب غرفة العناية المركزة صائحين:-"  ها كيف الحال؟ لدينا مريض بجلطة يحتاج غرفة العناية المركزة. هيا اقطب." ثم يصفعون الباب . اقطب؟!! ماذا يعنون؟ اموت بسرعة يعني؟ اموت ليخرجوني و يدخلون هم مريضهم الى الغرفة. فتح الباب اشعث ثاني قائلا:-" هيا انجز ، بسرعة تحرك." حدقت في لا شيء . الجماعة يطالبونني بالاستعجال بالموت كأنما الموت بيدي. انها وجوه البوم ممن تحكموا بصنعاء و بمصيري و مصيرك. روائحهم كريهة. يتشاجر اقاربي معهم و يشتبكون في عراك.

شيء صعب ان تحاول بكلتا يديك ان تمنعهم من الاقتراب منك. صعب ان تحد من اشتباكهم مع افراد اسرتك. صعب ان ترجوهم الا يشوهوا مسك ختامك. صعب ان يفهموا انك تخشي  لكماتهم المتبادلة مع افراد اسرتك ان يجذبوا الانبوب من انفك، او يسقطوك ارضا من سريرك.. انت تحتضر وانت تشهد هذا النزال! يأتي احدهم فيدفع الباب متسائلا:-" هاه؟ مات؟!"  تتوسل اليهم. لا تظهروا امامي. لا تشوهوا مسك ختامي. يكفي اليمن الفاتنة في كروشكم عبدة أسيرة.

شيء صعب ان يكون المرض تمكن منك ومن وطنك. قد تتوفي اليوم و قد يتوفى اليوم وطنك. لنفس السبب و  بنفس الوتيرة. هذه الوجوه المتسخة ، يأتون الى سريري. يدفعونه خارجا بحجة ان حالتي متوفاة ! اخرجوني الى الممر ، ادخلوا قريبهم. اشتبك اهلي بهؤلاء الهمج. تمنيت لوكان لا زال لدي صوت لأصيح و افض العراك بينهم ، لا تتعاركوا فأنا ميت و لمن نسى دعوني اذكره ان الحياة قصيرة.

يا أبي و يا أمي ... رحمة الله تغشاكم ، سلموا لي على عزرائيل و ابلغوه انني منتظر. فليأتي و يأخذني ليكمل جميله.