آخر تحديث :الأحد-12 مايو 2024-09:18م

ملفات وتحقيقات


القصة الكاملة لظهور تنظيم القاعدة في أبين

الثلاثاء - 02 أغسطس 2011 - 10:22 م بتوقيت عدن

القصة الكاملة لظهور تنظيم القاعدة في أبين
زعيم جيش عدن أبين ابو الحسن المحضار أثناء محاكمته

خاص / عدن الغد

باتت عناصر تدعي انتمائها لتنظيم القاعدة في أبين  تسيطر على أجزاء واسعة من المحافظة بعد خوضها حرب ضروس مع وحدات من الجيش اليمني فر جنودها وهو مامكن هذه الجماعات من الاستيلاء على مدينة زنجبار ومدن أخرى في المحافظة .

 

ورغم تمكن الجماعات المسلحة من السيطرة على زنجبار ومدن أخرى إلا ان هذه السيطرة باتت مهددة بعد نشوء حلف قبلي مناهض لتواجد الجماعات المسلحة .

دفعت الأحداث الأخيرة بمدينة زنجبار إلى  واجهة الأحداث وارتبط اسم المدينة بنشرات الأخبار التي تتحدث عن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية .

 

ربما كثيرون لايعرف القصة الكاملة لنشوء الجماعات المسلحة التي تدعي انتمائها لتنظيم القاعدة في أبين .

يقدم " عدن الغد"  القصة الكاملة لنشوء الجماعات المسلحة في أبين.

البداية من هنا

يعود أول ظهور للجماعات المسلحة في أبين إلى العام 1992 حينما دشنت جماعات إسلامية مرتبطة بحزب الإصلاح المعارض والذي كان يومها مواليا لنظام الرئيس صالح حملة إرشاد دينية سياسية استهدفت وجود الحزب الاشتراكي اليمني في الكثير من مدن الجنوب وبينها أبين .

 

في العام انتشرت الجماعات الإسلامية في أبين تحت لواء حزب الإصلاح الإسلامي الذي نشر مؤيدين له تحت راية نشر تعاليم الديانة الإسلامية حيث كان يرى قادة الحزب أنهم يمارسون دوراً توعويا في مناطق يضعف فيها تواجد الفهم الصحيح للديانة الإسلامية إلا ان الأحداث التي تلت أثبتت ان تحرك هذه الجماعات كان تحرك سياسي صرف.

 

في العام 1994 تمكنت الجماعات الإسلامية من ان تقود معارك شرسة ضد وحدات الجيش الجنوبي الذي مني حينها بهزيمة على يد القوات الشمالية انتهت بسقوط العاصمة الجنوبية عدن بأيدي هذه القوات في السابع من يوليو من ذات العام .

 

خاضت هذه الجماعات الحرب تحت لواء حزب الإصلاح الإسلامي مدفوعة بوعود من قبل نظام الرئيس اليمني صالح بتأسيس دولة إسلامية في اليمن بعد الانتصار على الجنوبيين وهو مالم يحدث لاحقا ً.

 

خلافا لتلك الوعود توجه نظام الرئيس صالح إلى اقتسام السلطة مع قيادات الجماعات الإسلامية وتسبب هذا التوجه السياسي بانقسام هذه الجماعات إلى نصفين فالنصف الأول راضي بالمشاركة السياسية مع حزب الرئيس صالح فيما واصل الطرف الآخر رفضه لأي مشاركة سياسية .

 

كانت محافظة أبين بسبب واقعها القبلي وقدرتها على صنع الكثير من التحولات السياسية في الجنوب خلال الفترة التي سبقت الوحدة اليمنية ولاحقها  ملجئ  لهذه القيادات  وحينها بدأت الجماعات الإسلامية بالظهور في المحافظة عبر تكتلات سياسية محظورة  دعت إلى إقامة دولة الخلافة السياسية .

 

في العام 1998 وبعد أربع سنوات على انتهاء الحرب بين الشمال والجنوب عادت هذه الجماعات إلى الظهور علانية في محافظة أبين وطفت إلى السطح حينما نفذ فصيل منها عملية اختطاف سياح أجانب انتهت بمقتل عدد منهم .

 

تبين لاحقا ان من قاد العملية هو قيادي في الجماعات الإسلامية ويدعى زين العابدين المحضار والشهير بأبو حسن  بالإضافة إلى عشرات المسلحين من الجماعة حيث قاموا باختطاف عدد من السياح بالقرب من مديرية مودية وانتهت العملية بمقتل عدد من السياح.

 

قدمت الحكومة خلال الأشهر اللاحقة أبو الحسن المحضار إلى جانب اثنين من معاونيه هما احمد محمد علي عاطف 26 عام وأخيه سعد محمد علي عاطف 19 سنة وحكمت على أبو الحسن بالإعدام لينفذ الإعدام بحقه بعد أشهر من صدور الحكم.

 

خلال السنوات اللاحقة بدت أبين هادئة وخالية من تواجد الجماعات المسلحة حتى أعلنت الجماعات الإسلامية عن تنصيب أمير جديد لها في أبين هو أبو المحسن حاتم محسن بن فريد.

اعتقل بن فريد فقط بعد اقل من أسبوعين من إعلان الحكومة اليمنية أنها نفذت حكم الإعدام بحق أبو الحسن .

 

أيدت الشعبة الجزائية المتخصصة باستئناف العاصمة اليمنية حكماً ابتدائياً صدر ضد زعيم ما يسمى بجيش عدن أبين الإسلامي، أبو المحسن حاتم محسن بن فريد، وقضى بالحبس بحقه لمدة سبع سنوات ابتداء من وقت القبض عليه.

 

في هذه القضية طلب أبو المحسن حاتم بن فريد عرض القضية على المحكمة الاستئنافية العليا باعتبارها المرجعية النهائية في القضاء اليمني مبدياً اعتراضه على هذه العقوبة الصادرة بحقه بعد ان كانت المحكمة الابتدائية المتخصصة في النظر في الجرائم الخطيرة قد أصدرت هذه العقوبة أواخر العام 2000بما أسندته النيابة العامة من أعمال ضده، كان أبرزها انه قام بتنصيب نفسه أميراً لما يسمى بجيش عدن ـ أبين الإسلامي خلفاً لزعيم هذا التنظيم المسلح غير المشروع أبي الحسن زين العابدين المحضار الذي أعدم بعد أن أدين في واقعة الاختطاف لـ16 سائحاً اجنبياً من الأوروبيين القريبين من مديرية موديا في محافظة أبين، وقتل في هذه العملية 4 من السياح، فضلاً عن تلقي أبو الحسن التدريبات العسكرية على استخدام الأسلحة والمتفجرات في معسكر الجبل الأبيض في محافظة شبوة التي ينتمي اليها حاتم بن فريد بغرض تنفيذ مخطط كان يعتزم تنفيذه بتخريب المنشآت الاقتصادية الخاصة والعامة في عدد من المناطق اليمنية.

 

 ووجهت اليه تهمة الاشتراك في تقديم مساعدة سابقة لعشرة بريطانيين ينحدرون من أصول آسيوية والذين اتهموا بالتخطيط لاعتداءات وتفجيرات، باستقبالهم في مطار عدن الدولي ولتسهيل مرورهم دون ان يخضعوا لعمليات التفتيش في مثل هذه الحالة مستعيناً ـ بحسب ما أوردته النيابة اليمنية ـ بأحد الموظفين في مطار عدن.

 

 ثم قام أبو الحسن بنقل هذه العناصر إلى منزله في صعيد شبوة حيث كانوا يعتزمون تنفيذ عمليات إرهابية في تنفيذ مخطط هجومي ضد بعض الفنادق والكنائس الموجودة في عدن في أعياد الميلاد لعام 1998، ثم جرت محاكمة هذه العناصر وأدينوا من قبل القضاء اليمني حيث قضى عدد منهم عقوبة الحبس لفترات متفاوتة من أبرزهم محمد مصطفى كامل، نجل أبي حمزة المصري زعيم أنصار الشريعة المقيم في لندن، والذي أكدت النيابة اليمنية بقيامه بتمويل أبي المحسن بـ12 ألف جنيه إسترليني عبر احد المصارف العربية.

 

وكان حاتم بن فريد قد اعترف بمجمل الاتهامات المسندة اليه بيد أنه أنكر حيازته الأسلحة المختلفة الواردة في عريضة الاتهام في بداية النظر في هذه القضية من قبل المحكمة الابتدائية.

 

 ويذكر ان أبي المحسن أشار إثناء السير في هذه القضية إلى انه كان يقوم بدور وطني بغرض الكشف عن العناصر التي تنتمي إلى جيش عدن ـ أبين الإسلامي وان ذلك الدور كان يؤديه باتفاق مسبق وتنسيق مع قيادة وزارة الداخلية. وهو ما جعل الشعبة الجزائية ان ترجئ السير في ما أسند إلى أبي المحسن من تهم لمدة ثلاثة أشهر من تسلمها ملف هذه القضية معطية الفرصة الكافية بحسب ما قاله القاضي عبد الله فروان عند حجز القضية للنطق بالحكم في آخر مرافعة في مطلع الأسبوع الجاري بأن يثبت حاتم بن فريد ما ذكره في هذا الأمر أمام المحكمة.

 

وكان قد قبض على حاتم بن فريد في شبوة في نوفمبر (تشرين الأول) من عام 1999 وبعد أكثر من أسبوعين من إعدام أبي الحسن زين العابدين المحضار.

 

سنوات الهدوء العام

بعد حادثة أبي الحسن والهجوم على السواح الأجانب شهدت الساحة السياسية في أبين هدوء تام في الكثير من مديرياته واختفى أي تواجد للجماعات المسلحة في مديريات المنطقة الوسطى وهي لودر ومودية والمحفد ومكيراس والوضيع  إلا ان تواجد للجماعات المسلحة كان قد بدأ في الظهور في مديريات أخرى مثل خنفر جعار حيث قامت بعض الجماعات بإقامة معسكرات تدريب محدودة خلال الأعوام بين العام 2004- 2007 إلا ان  الجيش اليمني كان سرعان مايبادر إلى تنفيذ حملات تمشيط كان أبرزها الحملة التي قادها قبل أعوام الجيش اليمني إلى جبال حطاط وانتهت بمقتل عدد من عناصر الجماعات المسلحة.

 

القاعدة والحراك الجنوبي

في العام 2007  دشنت الحركة الوطنية الجنوبية "الحراك الجنوبي" أولى فعالياتها الاحتجاجية في عدن ومالبثت هذه الفعاليات ان انتقلت إلى محافظات جنوبية أخرى بينها أبين التي شهدت تصاعدا  قويا لفعاليات الحراك الجنوبي خصوصا بعد إعلان الشيخ القبلي طارق الفضلي انضمامه إلى الحركة في ابريل من العام 2009.

 

مع تصاعد فعاليات الحراك الجنوبي في أبين عمدت الحكومة اليمنية إلى تشديد قبضتها على المراكز الهامة في المحافظة تاركة أربع مديريات هي لودر ومودية والمحفد والوضيع لحالة من الفراغ الأمنية الشديدة.

 

تسببت حالة الفراغ الأمنية بوقوع منطقة قبلية شاسعة  في فوضى عارمة وهو ماسمح لجماعات شبابية مسلحة  وفدت من مدن أخرى بالتجمع في مناطق مثل المحفد في أبين.

في الـ17 من ديسمبر 2009 نفذت طائرات أمريكية غارة جوية على مخيم لعدد من الأسر البدوية كان يحوي بداخله مسلحون من القاعدة .

 

أسفرت عمليات القصف عن مصرع أكثر من43 شخص بينهم أطفال ونساء وتسبب الحادث بحالة من الاستياء العامة في المنطقة .

 

تحدثت الحكومة اليمنية عن قيامها بعملية القصف الجوية وهو ماثبت عدم صحته لاحقا حيث كشفت تقارير رسمية أمريكية قيام الجيش الأمريكي بعملية القصف الجوية .

 

ومنذ ذلك الحين تعاظم وجود الجماعات المسلحة في المنطقة خصوصا مع توافد عناصر مؤيدة لها من محافظات شمالية متعددة .

 

واجهت الحركة الوطنية الجنوبية تمدد الجماعات المسلحة في أبين بتوجيه الاتهام لنظام الرئيس اليمني صالح بدعم هذه الجماعات بالمال والسلاح وهو ما عززته الاتهامات التي وجهتها المعارضة اليمنية لاحقا حينما سقطت زنجبار في مايو من هذا العام .

 

لجأت الجماعات المسلحة بعد عملية القصف إلى توحيد صفوفها وتحدثت حينها تقارير محلية عن تلقيها دعم مالي  ضخم .

دأبت الجماعات المسلحة خلال تلك الفترة على تنفيذ عمليات محدودة تمثلت بشن هجمات على نقاط تفتيش للجيش اليمني وقوات الأمن في عدد من مديريات المحافظة.

 

في العاشر من أغسطس من العام 2010 شنت الجماعات المسلحة أوسع هجوم مسلح على قوات الجيش اليمني واستطاعت قتل العشرات خلال هجوم على قوات كانت في طريقها إلى مديرية لودر كبرى مدن المنطقة الوسطى .

 

تسبب الهجوم بتسيير الجيش اليمني لحملة عسكرية ضخمة إلى المنطقة وعلى اثر ذلك دارت مواجهات عنيفة بين الجماعات المسلحة وقوات الجيش التي حاصرت لودر وتبادلت القصف مع الجماعات المسلحة.

 

تسببت المعارك بتشريد الآلاف من أهالي لودر طوال الأشهر التي تلت الحملة العسكرية ورغم ضخامة القوة العسكرية إلا أنها لم تتمكن من القضاء على الجماعات المسلحة حينها .

 

في الـ14 من أكتوبر العام الماضي شنت الجماعات المسلحة هجوما على موكب لمحافظ محافظة أبين السابق احمد الميسري لقي فيه عدد من مرافقيهم بينهم شقيق له مصرعهم .

نفذ الهجوم بالقرب من جبل عكد بمديرية لودر على طول طريق واصل إلى مديرية مودية واستخدمت فيه الأسلحة الرشاشة وقذائف الاربي جي .

 

تمكنت قوات الجيش يومها من اعتقال عدد من ابرز قيادات الجماعات المسلحة التي شنت الهجوم إلا انه لم يكد يمر أكثر من شهرين حتى تم الإفراج دون ان يتم تقديمهم إلى المحاكمة .

 

مع تفجر الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في أوائل فبراير من هذا العام أعادت الجماعات المسلحة تنظيم صفوفها وتمكنت بعد معارك محدودة من إسقاط مدينة جعار اكبر مدن أبين على الإطلاق بيدها .

وجاء الحادث بعد عشرات الهجمات التي نفذتها الجماعات المسلحة ضد نقاط تفتيش تابعة للجيش والشرطة وأسفر عن مصرع العشرات من منتسبي هذه الأجهزة .

 

ورغم سيطرة القاعدة  على خمس مديريات بالمحافظة إلا ان الحكومة اليمنية لم تحرك ساكنا ، تمكنت القاعدة من الحصول على كميات ضخمة من الأسلحة إثناء سيطرتها على مواقع للجيش اليمني بجعار بينها مصنع للأسلحة في المدينة .

في الـ 27 من مايو الماضي أفاق أهالي مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين على دوي انفجارات هائلة وإطلاق نار كثيف من جميع الجهات .

 

بعد معركة قصيرة بين قوات الجيش والأمن اليمنية أعلنت القاعدة سيطرته على مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين وتسبب الانتصار الذي حققته القاعدة بحصولها على تركة كبيرة من الأسلحة تركتها القوات اليمنية إثناء هروبها من المدينة.

اتهمت المعارضة اليمنية حينها النظام اليمني بأنه قام بتسليم مدينة زنجبار إلى أيدي عناصر القاعدة بهدف إيهام العالم الخارجي بوجود خطر حقيقي لتنظيم القاعدة  في اليمن .

 

حتى اليوم لاتزال القاعدة تسيطر على مدينة زنجبار إلا ان حملة تطهير شنتها القبائل تمكنت من طرد عناصر الجماعات المسلحة من مديريات مودية ولودر والوضيع والمحفد وهو مايعني ان سيطرة هذه الجماعات المسلحة تراجع بنسبة 80 % .

 

ورغم النجاحات التي حققتها القبائل خلال فترة وجيزة إلا ان هذه الجهود أصيبت بانتكاسة بعد قيام سلاح الجو اليمني بقصف تقدم لرجال القبائل أسفر عن مصرع العشرات الأسبوع الماضي وهو مابات يهدد جهود القبائل في مواجهة القاعدة .

 

مما تكون القاعدة في أبين؟

يهتم كثيرون بالإجابة على هذا السؤال وهو مما تتكون عناصر القاعدة في أبين ؟ تتشكل عناصر القاعدة في أبين من خليط واسع من العناصر المسلحة من كافة المحافظات اليمنية وبينها عناصر من جماعات إسلامية متشددة من دول أخرى كالسعودية وباكستان والصومال.

حتى اليوم لاتزال القبائل في المحافظة تجاهد لأجل تخليص أبين من وجود تنظيم القاعدة والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة اليوم هو هل ستفلح هذه الجهود في إعادة أبين إلى أحضان أبنائها؟

 

من فتحي بن لزرق