آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-03:13ص

أدب وثقافة


قصة قصيرة .. ظلال الندم

الثلاثاء - 24 أبريل 2018 - 04:06 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة .. ظلال الندم

كتب / عصام عبدالله مسعد مريسي

مازال ممتداً على فراشه وهو بين الحياة والموت ، جسده الممتد على سريره الخشبي العتيق المصنوع من حبال الخزف ، المت به الجروح من طول امتطائه للسرير لم يعد قادراً على تحريك جسده الذي تنطلق منه الروائح العفنة فقد غادر جميع ابنائه المنزل فراراً من قسوة الاب وشدة معاملته لهم حتى أبنته الوحيدة بين أربعة ذكور لم تفوت فرصة الفرار من قسوة الوالد شديد المعاملة عندما جاءتها فرصة للزواج ، وظل الأب المتجبر معتمداً على نفسه حتى أصابه الوهن والمرض الذي ألقى به طريحاً للفراش حتى نخر المرض قواه وابقاه طريح سريره المصنوع من الخشب وإلى جانبه المروحة المصنوعة من سعف النخيل يهش بها الذباب ويحرك به تيار الهواء كلما احتاج إلى ذلك ولكنه لا يقوى على تحريك جسده الملقى على سريره العتيق من فعل كل الاعمال التي كان يقوم بها غير شريط عابر للذكريات المملوءة قسوة وشدة في المعاملة وهو يسمع همس أبنائه كلما عاد إلى المنزل:

لقد عاد أبي .. فليبقى كلاً في مكانه لا تحدثوا ضوضاء

وينحسر الابناء نحو خرق بالية يلقون عليها أجسادهم الخاوية وهم يتدثرون بما فضل من تلك الخرق حتى لا يرون وجه أبيهم العابس من أتفه الاشياء، ويطلق صوته الجهوري منادياً على زوجته المنكبة على إعداد طعام العشاء الخاص به دون سائر أفراد أسرته :

ألم تعدي الطعام بعد؟

وهي تقبل ويديها ترتعشان لتقدم ما جاد به مطبخها الخاوي على عروشه من كل ما يحتاجه مطبخ أسرة، تضع الطعام أمامه ليتناول حاجته ثم يتجه صوب سريره ليفتح المذياع ليستمع إلى بعض القنوات الغنائية حتى يشعر بشي من الراحة والانسجام وما هي إلا لحظات ويغص في نومه وتقوم الأم بتقديم ما تبقى لأطفالها تسد به جوعهم وفاقتهم:

هيا انهضوا .. كلوا .. كلوا

لم يتبقى على المائدة إلا كسرات من الخبز، يتسابق الصبية على التهام كسرات الخبز ثم يعودون إلى حالتهم السابقة حتى لا يشعر بهم الأب القاسي ، يستفيق من غفلته وسباته الذي ادخلته إياه قطرات من شرابه المسكر ويصرخ منادياً على زوجته فما زالت له حاجة بها حتى يسد كل حاجاته:

أين أنتِ يا أمرأه .. أطفئي الانوار

ما أن يسمع الصبية همهمته حتى يغطون في نوم مفتعل خوفاً من العقاب ، وتنساق الزوجة نحوه ليقضي ما تبقى من شهوته حتى يذهب في غفلته التي يسترح بها زوجته وأولاده ، لكنه اليوم لا يخيف أحد ولا يستطيع رفع صوته ليطلب المساعدة من أحد ولو كان من أساء إليهم.

إذا بطيف من الماضي يتجسد أمام عينيه وهو في طفولته ينظر إلى أبيه وهو يتناول طعامه هو وأخوته يتلذذون بطعم الطعام دون أن يدخل أفواههم ، وهو ينظر إلى طيف طفولته القاسية يغادر يحاول أن يتسلق بأطراف سرواله القصير لكن دون جدوى يغادر الطيف دون أن يلحق به ، تنقطع الانفاس ويبقى الجسد خاوياً وتغرر الروح في حنجرته وتزداد الغصة وهو يشعر بالألم وصوته مخنوق يتأرجح بين حباله الصوتية دون أن يدوي ويرج أركان الغرفة المبنية من اللبن ( الطين  المخلوط بأغصان الاشجار) والندم يعصر صدره  فقد كانت غلطته وشدته سبباً في هروب زوجته وأبناؤه من البيت ، وهو اليوم وحيد اسير الالم والوجع لا يجد حتى من يخف عنه بكلمة  ولأول مرة  أحس أنه بحاجة لرؤية  أولاده وتقبيلهم ولو قبلة الوداع ولكن الوقت قد أزف