أم المدائن علمت آباءهم
روح التمدن والحضارة
ومن عصارتها روتهم
وطهرت قلوبهم
من حقد عبس وسعاره
أم المدائن
عندما كانت منارة
***
لكن خسارة
عندما يتعثر التاريخ
بالغوغاء
ويترنح مساره
اليوم بعض أبنائهم
يتبخترون على ثراها
بالجهالة
يعفروها بالبداوة
ويرجموها بالحجارة
ويخلعون أساور اللؤلؤ والمرجان
من معصمها
ووردها من خدها
و من ثغرها
رحيقها والابتسامة
وينزعون خمارها
ويخضبوها بدماء أبنائها
وينسجون من جدائلها
عصابة
***
وأهل الحرابة
كل عاصي منهم
شكل عصابة
فانتشى بالكبرياء
وكاد أن يعلن إمارة
***
ومثل الغزاة
تبختروا فيها
الصعاليك الجفاة
مدججين بالجهالة
متلهفين للحقارة
كل سارق منهم
حامل على ظهره
غراره
وكل فاسق منهم
شمر إزاره
***
وأخوة الشيطان
أعداء الحياة
جاسوا على أم المدائن
بالطبول المرجفة
وانتشوا بفجورهم
وكأنهم في حفل زار
***
وبعض حفاة الذاكرة
من جيل ذاكرة الذباب
لم يذكروا بالأمس
أفعال الغزاة
لم يذكروهم عندما عاثوا فساد
كانوا يلوكون الفناء
ويقتلون الأبرياء
ويغلقون كل باب
***
وفيك يا دار السلام
قنصوا الحمام
واعتلوا على ركام الانهيار
ويوم فاتحهم صباحك
بفاتحة النهار
أبنائك الأبرار
يا أم المدائن
لبوا نداء الحق
صوت الله أكبر
يوم جلجل بالنداء
من القلوب الصادقة
ومن القباب
***
ساروا على الرمضاء
حفاة
ومثل الأسود الكاسرة
إلى ميادين الفداء
ذادوا وداسوا
على خياشيم العداء
وإذا الأذلاء الغزاة
تناثروا
كأنهم أجداث نخلٍ خاوية
تدثروا بدمائهم
واعتلت أرواحهم
على جثثهم
غراب ينعق للغراب
***
قلبي على قلب الحبيبة يرتجف
وعلى المحبين الذين
خضبوها بالدماء
ونظفوا بأرواحهم
وجه الحبيبة
من الغبار
***
أقول يا قلب اتئد
فيجيبني رعد الضمير الحي
كلا لا تساوم
عار عليك وألف عار
أن تنثني
وأنت عاهدت الحبيبة
وبين أيديك الكتاب
***
أصيح
يا عدن الحبيبة
أصيح
يا أم المدائن والحضارة
أصيح
يا عدن المنارة والفنار
فتجيبني أم المدائن
كطائر العنقاء
تبعث من الرماد :
أضغاث أحلام المريبين
أحترس
غفوت غفوة في المنام
أطمئنك يا همام
ولى زمان الاحتلال
ولى زمان الاغتصاب
***
أحزم أمورك يا حبيب
قريب كل العابرين
سيرحلون مهرولين
إلى فناهم مذعنين
لا تبتئس
آثارهم لحظة شروقي
ليس إلا
مثل ظل كان عابر
على جدار
***
لا تبتئس
قريب أنفض ما تراكم
من غبار الأخوة الأعداء
ومن نتن الرعاع
وقريب أحكي قصتي
لكاتب التاريخ
أني جنة الأرض التي
أختارها رب البرية
نفحة من جنة المأوى
يؤويها المحبين الذين أخلصوها
حبهم
كن منهم ولا تبالي
وأحفظ ودادي
ألبس الثوب الملون
بلوني اللازوردي
وأنزع أثواب الحداد
بقلم / صلاح ألطفي
