آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-01:43ص

أدب وثقافة


ثمن الخطيئة (قصة قصيرة)

السبت - 24 فبراير 2018 - 04:25 م بتوقيت عدن

ثمن الخطيئة (قصة قصيرة)

بقلم: عصام عبدالله مسعد مريسي

الحزن والخوف والصمت ملامح دائمة رسمت على وجهه البريء ، رغم صغر سنه إلا إنه يعيش معناة صعبة يسمع همس من هنا وإشارات من هناك يحاول أن يتحاشى سماعها حتى لا تزيد من اّلامه وجرحه الذي استقر في نفسه وحتى لا تسقط أمه التي يشعر بحنانها وألمها في عينيه لكنه كلما مرَّ سمع همساً أو غمزاً او تلميح:

إنه أبن زنا.. أمه لم تتزوج قط  

كلما سمع همساً يمس أمه انحنى وانكسر بخطى متسارعة يجتاز الشارع مهرولاً نحو المنزل حتى يرتمي فوق فراشه ويبلل مخدته بدموعه وحشرجة صوته المخنوق حتى لا يسمع أمه بكائه ، يمرُّ الليل ويغطي بسواده مرارة النهار التي يتجرعها الصبي في رحلته من المدرسة وعودته إلى المنزل ، ينقشع الظلام  رويداً رويداً ويكشف نور الصبح ما كان يواريه تحت جنح الليل من خوفه لقاء الناس مرةً أخرى وسماعه همسهم والتعريض بشرف أمه التي لا يحمل لها إلا كل الحب والتقدير لكل ما تقدمه له من حب ورعاية أو حنان، يستدعي النوم أو هو يتناوم مدعي المرض ، تدخل أمه غرفته تحاول أن توقظه:

صغيري .. حان وقت ذهابك إلى المدرسة

يحاول أن يشد لحافه ليغطي نفسه فلا ترى أمه بقايا الدمعات التي هطلت فوق خده وبللت وسادته قائلاً:

أمي .. أنا مريض .. لن أذهب إلى المدرسة

تكشف الأم ما كانت تخفيه وتصارح ولدها بسرها الذي طالما ألمها وسبب له الألم:

أعرف سبب رغبتك في عدم الخروج .. إنه أنا

يسحب الصبي بصره نحو الارض محاولاً أن يصرفه عن بصر أمه التي يحبها أشد الحب ، لكن أمه تصر على مصارحة ولدها كي يعذرها أو يلتمس لها العذر بصوت مرتعش مخنوق تنتثر الكلمات مغلفة بالحزن والندم :

ولدي في لحظة غفلة وعدم مراقبة لله وتدفق العشق ولهيب الشهوة ، ينطلق صوت الصبي ليقطع حديث أمه :

أمي كنتِ وما زلت وستظلين مصدر فخري .. فلم أرى منك إلا أم تعطيني الثقة والحب وهذا يكفيني

حديث الصبي يمسح ألم أمه ويداوي جراحها وينتصر لهزيمتها ، ترفع رأسها وتضم ولدها إلى صدرها فقد أمدها ولدها بلمسة حنان بعدما صفعت بكفوف الغدر والخيانة وعدم الوفاء ممن كانت تعتبره أقرب الناس إليها ، تضم ولدها وتنزلق من عينيها دموع حارة تشعر الصبي بمدى ندم أمه وحسرتها فيرفع كفيه الصغيرين يمسح دموع أمه وهي تمسح على رأسه تمده بحنانها في اعتذار عما سببته له من حزن بسبب نزوة في الماضي دفعت ثمنها المهانة والازدراء حتى من أقرب الناس إليها والديها ودفع الصبي إحساسه بالانكسار والذل واحتقار الناس له لجرم لم يكن له ذنب فيه.