آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-07:09ص

أدب وثقافة


البشارة (قصة قصيرة)

الإثنين - 15 يناير 2018 - 06:19 م بتوقيت عدن

البشارة (قصة قصيرة)
"تعبيرية"

كتب/عصام عبدالله مسعد مريسي

أوشكت الشمس أن تودع الأرض وتنهي عناقها بالرقعة التي نسكنها من المستديرة وهي تغادر تجر أذيالها ترتسم فوق صفحة الماء شعاع مضيء يبرق كلجين يتدفق يهدي للدنيا قبلته الاخيرة قبل أن يعود مرةً أخرى يعانق البسيطة بشعاعه البراق ، وجميع أفراد عائلته مجتمعون على مائدة الإفطار ينتظرون إطلالة صوت المؤذن أن يعلن دخول وقت الافطار ، الكاسات مملؤة بالماء البارد ودوارق العصائر تتصبب عرقاً من شدة برودتها وسخونة الجو ولا يكاد المؤذن يعلن انقضاء النهار وبزوغ اللحظات الأولى للمساء حتى يعلن اندحار البغاة وترك تحصيناتهم على حدود المدينة :

الله أكبر .. الله أكبر .. لقد فرَّ البغاة وتركوا تحصيناتهم

القائد الجريح الذي شخص الاطباء عجزه عن الحركة بعد اصابته في أحد جبهات القتال حول المدينة ومازالت الجبهة ترتسم في مخيلته وهو يوجه أفراد فصيلته نحو الاهداف ويقودهم نحو الانتصارات قائلاً لهم:

تقدموا .. نالوا منهم بأسلحتكم ، لا تدعوهم يغادروا إلا مقتولين أو جرحى أو أسرى

مازالت تلك الصورة والعبارات ترتسم في مخيلته حتى لمع بريق النصر وهتافات الانتصارات ارتعد جسده فوق كرسيه النقال وأقشعر بدنه من عظمة النبأ حتى وقف شعر جسده هيبةً للموقف العظيم وذرفت عيناه فرحةً ونشوى ووقف من على كرسيه النقال وبدأ يسير نحو هاتف منزله الأرضي يرفع السماعة بكلتا يديه ثم يقف حائراً لا يدري بمَن يتصل فيقف برهةً حائراً يلاعب سماعة الهاتف وأسرته في دهشة مما ترى أبوهم الذي اجمع الأطباء على عجزه عن الحركة بعد أصابته في الجبهة وأنَّ شفاؤه قد يتأخر فأصابته في عموده الفقري أقعدته وسوف تقعده لفتر طويلة ثم يشد من خطواته ,ثم يهرول نحو دولابه القديم يفتش عن بندقيته :

أين البندقية الكلاشنكوف ؟ أين المسدس؟

مازالت الدهشة مسيطرة على كل أفراد الأسرة , تجيب الزوجة بصوت مرتعش خوفاً وفرحةً:

البندقية مع ولدنا في الجبهة, والمسدس هناك في قلب الدولاب

تسارع إليه تستخرجه وفي عينيها سؤال سابق لسؤال شفتيها:

إلى أين ؟ ما تزال بحاجة إلى عناية

يرد والحنق والغضب بادياً عليه :

ألا ترين أني بكامل عافيتي ؟ لن أترك هذه اللحظات تمر دون أن أكون مشاركٌ فيها

يحمل مسدسه وينطلق مغادراً منزله صوب الجبهة والدهشة والفرح والخوف مجتمعون في عيون زوجته وبناته يعود الجميع إلى مائدة الافطار وتمرق لحظات وترتعد السماء بضجيع البنادق والالعاب النارية معلنة النصر الاكيد واندحار البغاة وهروبهم مولين الادبار مخلفين اجساد قتلاهم العفنة تعكر جو الفضاء