آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-01:45م

أخبار عدن


حكاية الحاج غازي...!

السبت - 13 يناير 2018 - 05:55 م بتوقيت عدن

حكاية الحاج غازي...!

عدن (عدن الغد) خاص:

كتب / منصور العلهي

رأيته يمشي بخطى متثاقلة على رصيف الكورنيش بحي ريمي وهو يحمل بيدهِ كيساً… فاقتربت منه وحييته فرد علي بإحسن ‏‏منـها…فنظرت لوجهه الذي يبدو عليه الارهاق والتعب فرآيت الزمن قد رسم على محياه تجاعيد السنين…ورآيت ملامح الشقاء بادية عليه..

واخذت بيده المرتعشة لاساعده على الجلوس على احد المقاعد الخشبية المنتشرة على امتداد الكورنيش وناولته قنينة الماء ليروي عطشه…
وبعد ان اخذ قسطاً من الراحة سألته عن وجهته ومن هو وماذا يحمل داخل هذا الكيس ولماذا يقطع هذه المسافات البعيدة وهو في هذه السن..؟؟

فتنهد تنهيدة تردد صداها في ارجاء المكان…!!
فقال: ماذا اقول لك ياولدي؟ ومن اين ابدأ… ؟؟
فعدل من جلسته على المقعد ثم اخذ يحكي حكايته وانا اتابعه بإنصات…!

اسمي الحاج غازي من مواليد 1945م المعلا عدن ..
عملت في بداية حياتي في(البارهوص) ايام الانجليز كعامل فني بقسم الفحص بمحطة حجيف.. واستمريت في البارهوص حتى العام1974م..

وهنا طلبت من الحاج غازي التوقف ليحكي لنا عن زمن الانجليز قبل ان ننتقل لمرحلة مابعد الانجليز…!!
فتنهد اخرى وقال: زمن الانجليز يا ابني نسميه نحن الشيوبه بـ(الزمن الجميل)..!!
فكل شيء في ذلك الزمن كان جميلاً وبسيطاً..لاتكاليف للحياة ولاعشوائية في العمل… ولانهب ولاسرقة للمال العام.. وكان العامل يآخذ اجرته ومعاشه مكتملاً غير منقوص..

وفي زمن الانجليز ياولدي لم تواجهك اي صعوبات عند متابعتك لاي معاملة في ادارتك.. بإختصار ياولدي كان ذلك الزمن جميلُُ بكل ماتحمله الكلمة من معاني الجمال والبساطة…!!

فقلت للحاج غازي :
هذا فيما يخص المعاملة المدنية.. فحدثني عن فترة الفدائيين وجهادهم ضد الانجليز.. ؟

فقال: حتى هذه الفترة كان لها إحساس خاص.. حيث كان الفدائيون ينفذون عملياتهم الفدائية ضد تجمعات الانجليز دون تكلف ولامشقة فعند سماع ربات البيوت لدوي الانفجار يسارعن لفتح ابواب منازلهن لعلمهن بإن هؤلاء الابطال بحاجة للاختباء فتكون منازلهن مفتوحة لاستقبال الفدائيين… !!
وسأحكي لك عن عملية فدائية نفذها الفدائيون امامي..

كنت في احد الايام خارجاً من احدى الصيدليات بالقرب من(اووس بار) وهذا نادي ليلي يرتاده الانجليز فإذا بإحد الفدائيين يرمي بقنبلة يدوية وسط الانجليز ليوقع فيهم عدداً من القتلى والجرحى ويتجه بعدها سريعاً لاحد المنازل التي كانت جميعها مفتوحة.. وهناك حكايات وحكايات لايتسع المقام لذكرها..!!

فقلت له دعنا نكتفي بذلك و ننتقل من الزمن الجميل إلى زمن مابعد الانجليز…!!

فأعتدل في جلسته واردف قائلاً: بعد هذه الفترة انتقلت لشركة التجارة تحديداً في العام1973م...وعملت بها إلى ان أْحلت للتقاعد براتب تقاعدي ضئيل جداً يقدر بـ(7460) ريال.. ليصل فيما بعد إلى (27.500) ريال لاغير..

فبادرته بالسؤال التالي:
لم تجبني ياحاج غازي عن سؤالي السابق وهو مابداخل الكيس.. ؟؟
فتنهد تنهيدة اهتزت لها مشاعري.. ففتح الكيس وقال: كما ترى تقارير طبية وروشات ادوية…
زوجتي الطاعنة في السن تعاني من مرض مزمن والمعاش لايكفي لاطعامنا.. فكيف استطيع تآمين العلاج لزوجتي في هذا الزمن (الاغبر)…؟؟

فلم استطع ان اجيب على تساؤلات الحاج غازي..!
فتنبه لذلك فقال لااريد إلا ان يصل صوتي ومناشدتي كمتقاعد وغيري الكثير لجهات الاختصاص لينظروا الينا بعين الرحمة والعطف ويوجهوا برفع معاشاتنا لعلها تساعدنا ونحن في هذا العمر الذي افنيناه في خدمة الوطن ولم يتبقى منه إلا القليل…!!
بدوري اضع هذه الحالة ومثلها الكثير والكثير بين يدي ولاة الامر.