آخر تحديث :الأربعاء-08 مايو 2024-11:29م

أدب وثقافة


معاناة متقاعد (قصة قصيرة)

الإثنين - 01 يناير 2018 - 06:13 م بتوقيت عدن

معاناة متقاعد (قصة قصيرة)

كتب/عصام عبدالله مسعد مريسي

شعر بالفرح بعد أن استلم معاشه الذي انتظره لأكثر من شهر وما أن أصبح مبلغ المعاش بين يديه بعد معاناة طويلة امتدت لأيام من الطوابير الطويلة والسعي خلف مكاتب البريد لاستلام معاشه وصغاره في المنزل المتواضع في انتظار عودته ومعه كسوة العيد حتى يفرحون كباقي الأطفال ، بعد أن استلم راتبه العالق تجول في الاسواق لشراء كسوة العيد ثم ركب الحافلة ومعه ما تبقى من المعاش وهو في حالةٍ من النشوة والفرح للقاء صغاره ورؤية الفرحة في أعينهم البريئة المحرومة والالم يعصر ما في صدره فقد بلغ منه المرض مبلغاً شديداً وهو يستأثر أولاده على أن يصرف المعاش في علاجه من مرضه المستعصي ، ألقى برأسه إلى نافذة الحافلة وهو يكتم أناته وألقى كل ما اشتراه في حجره وذهب في سبات ظن جميع الركاب أن الرجل ذو الشعر الابيض دخل في غفلة نوم من شدة الارهاق حتى انتهت الرحلة ووقفت الحافلة في المحطة الاخيرة غادر الركاب الحافلة إلا ذو الشعر الابيض مازال متكاْ على نافذة الحافلة يحاول السائق أن يوقظ الرجل :

يا عم ..    لقد وصلنا إلى أخر موقف

ولكن الرجل صاحب المعاش لم يجيب ولم ينطق بكلمة استدار اليه السائق محاولا إيقاظه فإذا به يتهاوى من مقعده إلى أرضية الحافلة حتى يسمع ذوي ارتجاج جسده المنهك بأرضية  الباص يتجمهر الناس  وهم يتسارعون لمعرفة الحدث فينطلق صوتاً فاحصاً :

لقد مات الرجل

فينطلق صوت أخر:

مَن يعرفه

يتدخل سائق الحافلة ويتفحص ما بجيب الرجل فيستدل على هوية صاحب المعاش من أوراق في جيبه فيتطوع الحاضرون بإيصال الجسد المنهك إلى مكان سكنه وما أن تصل الحافلة وهم يسألون عن منزلة بالتحديد فكان أحد  الذين سألوا عنه أحد أبنائه وعند رؤيته للحافلة شعر الصبي بالفرح ولكن سرعان ما أحس بالخوف والفزع وهو يشير لهم إلى منزلهم :

هناك في وسط الحي

تحركت الحافلة متجهة إلى المكان الذي أشار إليه والصبي مازال متوجساً في حيرةٍ وخوف يقف في مكانه والحافلة تتوسط الحي ويندفع الجمع من الحافلة وهم يحملون جسد المتقاعد المنهك ،تتساقط أوراق وما تبقى من المعاش على الأرض يحاول الحاضرون جمع الاوراق ونقود الرجل والصبي في حافة الشارع يرقب الموقف ودموعه تنزلق على خديه حتى تبلل قميصه فأحس بدفيء دمعه فاسرع نحو الجمع وهم يدخلون والده إلى منزلهم والاشياء التي اشتراها والده مبعثرة ووالده جسد بلا روح فلم يشعر بالفرح ولم يقترب من كيس الملابس يتحسسها كعادته  بل انكب على جسد والده يودعه ويشتم عرق جسده والحزن يمزق قلبه الصغير على فراق مَن يحب