آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-03:13ص

أدب وثقافة


قصة شاعر قتل بعكاز مسموم وتفرّق دمه بين خلفاء وعُمّال

الأحد - 31 ديسمبر 2017 - 03:14 ص بتوقيت عدن

قصة شاعر قتل بعكاز مسموم وتفرّق دمه بين خلفاء وعُمّال
صورة تعبيرية

عدن(عدن الغد)العربية :

العمر المديد الذي عاشه #دعبل_بن_علي_الخزاعي، والذي بلغ 98 عاماً، كان كابوساً على #خلفاء_بني_العباس الذين عاصروه وعاصرهم، فقد هجا عدداً كبيراً منهم، هجاء مرّا دفع بعضهم أو عمّالهم، للسعي لقتله. إلا أن محاولة أخيرة لاغتياله، تكللت بالنجاح، فتم الوصول إليه، من طريق رجل أرسلوه في هذه المهمة، فضربه بعكَّاز مسموم على ظاهر قدمه، فمات في اليوم التالي، وذلك في سنة 246 للهجرة.

وولد دعبل سنة 148 للهجرة، وهو دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش، وينتهي نسبه إلى خزاعة. وياقوت الحموي في معجمه يذكر النسب السالف، ثم رواية أخرى لنسبه. ويقول عنه "شاعرٌ مطبوع مفلق" وكان "هجاء خبيث اللسان لم يسلم منه أحد من الخلفاء ولا من الوزراء". مؤكداً وفاته سنة 246 للهجرة.

عمر مديد وقائمة طويلة من خلفاء العباسيين

وعاصر دعبل، عدداً كبيراً من خلفاء بني العباس، ابتداء من أبي جعفر المنصور، وانتهاء بالمتوكّل، مروراً بالمهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق. ونال العدد الوافر منهم نصيباً من هجائه، ما جعلهم يرسلون وراءه ويسعون إليه لمعاقبته ومنهم الخليفة الواثق، فعل كل ما يستطيع، للنيل منه، "فلم يقدر عليه، حتى مات الواثق". بحسب ابن كثير في "البداية والنهاية".

وكان السبب في سعي الخليفة الواثق الذي يصفه "مروج الذهب" بأنه كثير الأكل والشرب، للنيل منه، قصيدة مرّرها إليه دعبل من طريق حاجب الخليفة، بعدما أوهمه أنها مديحٌ فيه. ففتح الواثق ما أعطاه إياه حاجبه، بحسب رواية ابن كثير الذي ترجم له ووصفه بالشاعر البليغ في المدح وفي الهجاء أكثر، فقرأ:

الحمد للهِ لا صبرٌ ولا جَلَدُ

ولا عزاءٌ إذا أهل البلا رقَدوا

خليفةٌ ماتَ، لم يحزن له أحدٌ

وآخر قام لم يفرح به أحدُ!

وكان يعني بالخليفة العباسي الذي مات، المعتصم، وبالخليفة الذي قام، الواثق.

وورد في "الأغاني" أنه لما جاء نعي المعتصم، وقيام الواثق، قال دعبل لمن معه إذا ما كان لديه شيء يُكتَب فيه، ثم أخذ وكتب هذه الأبيات.

مرهوب اللسان هاربٌ متوارٍ ولم يفلت منه أحدٌ

وينقل "الأغاني" أن دعبل "لم يفلت منه أحدٌ، أحسن إليه أم لم يحسن". وأنه كان من "الشيعة المشهورين بالميل إلى (الخليفة) علي". ويقول إنه كان "مرهوب اللسان". وإنه لشدة هجائه الناس "فهو دهره كلّه هاربٌ متوارٍ"، مخافة أن يصل إليه من يريد أن ينتقم لنفسه عما فعله به دعبل حين هجاه.

وعلى الرغم مما ذكره "الأغاني" بأن دعبل عاش دهره هارباً متوارياً، إلا أن الشاعر نفسه، يقر بأنه هجاءه خلفاء بني العباس ووزراء لهم، وهجاء الناس، يؤمن له نوعاً من الحماية والهيبة. فقد ذكر "الأغاني" أن ثمة من سأله: "ويحك، قد هجوتَ الخلفاء والوزراء، فأنت دهرك كله طريد شريد هارب خائف، فلو كففتَ عن هذا؟". فيقول دعبل: "إن تأملت ما تقول، فوجدت أكثر الناس لا ينتفع بهم إلا على الرّهبة". ويضيف تبعاً لذلك: "وعيوب الناس أكثر من محاسنهم".

أمّا الخليفة العباسي المعتصم فهو يكن بغضاً لا يحدّ لدعبل، بسبب "طول لسانه" بحسب "الأغاني" الذي يؤكد أن دعبل هرب أيضاً من المعتصم بعدما أرسل من يقبض عليه.

والمعتصم هو محمد بن هارون الرشيد، ثامن الخلفاء العباسيين، والذي جعل الأتراك في قلب الدولة وقرّبهم فأصبحوا يمتلكون نفوذا على العرب في الحكم. وسعى المعتصم لقتل دعبل، ولم يقدر عليه، فقد اتصف دعبل بحسب الكتب القديمة، بمقدرته على الغياب والتخفي الطويل ولسنوات، ثم الظهور، مرة أخرى.

وقال ابن قتيبة الدينوري في "الشعر والشعراء": وهجا (أي دعبل) أبا إسحاق المعتصم فقال:

ملوك بني العباس في الكتب سبعةٌ

ولم تأتنا عن ثامنٍ لهم كتبُ

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعةٌ

كِرامٌ إذا عدُّوا وثامنهم كلْبُ!

غلامان تركيّان في دولة المعتصم يتحكّمان بها

ومما قاله في المعتصم في هذه القصيدة المدوية، ويذكر فيها غلامين تركيين له، هما "وصيف" و"أشناس". وتقول الأخبار، إنهما غلامان تركيان أصبحا قائدين لدى المعتصم، وامتلكا نفوذا كبيراً في الدولة العربية، في زمنه وفي زمن الواثق، من بعده. يقول دعبل:

وقام إمامٌ لم يكن ذا هداية

فليس له دِينٌ وليس له لُبُّ

لقد ضاع مُلْك الناس إذ ساس ملْكهم

"وصيفٌ" و"أشناسٌ" وقد عظم الكَرْبُ

وهمّك تركيٌّ عليه مهانةٌ

فأنتَ له أُمٌّ وأنتَ له أَبُّ!

إلا أن ابن قتيبة ينقل رواية بأن دعبل "حلف" بأنه ما قال هذا الهجاء في المعتصم، بعدما علم أن الأخير جهّز في طلبه، فخاف الشاعر "فاستتر ثم هرب".

وقال في المعتصم بعد موته وانصراف الناس عندما فرغوا من دفنه:

قد قلتُ إذْ غيّبوه وانصرفوا

في شرِّ قبرٍ لشرّ مدفونِ

اذهب إلى النار والعذاب فما

خلتُكَ إلا من الشياطينِ

ما زلتَ حتى عقَدْتَ بيعةَ مَنْ

أضرّ بالمسلمين والدينِ.

ويذكر أن قصيدة دعبل، هذه، في المعتصم، قالها معارضة لأخرى رثته وقالها محمد بن عبد الملك الزيات.

بيعة إبراهيم بن المهدي "مشؤومة"

وعندما بويع إبراهيم بن المهدي في بغداد، لم يسلم هو الآخر من لسان دعبل، وعلى خلفية اضطرابات حصلت ما بين إبراهيم وقومٍ كانوا يطالبونه بمال، وحصل لغط وهرج ومرج، وانتهى الأمر بأنه لم يعطهم من ماله شيئاً. فقال دعبل:

يا معشر الأجنادِ، لا تقنطوا

وارضوا بما كان، ولا تسخطوا

بيعةُ إبراهيم مشؤومةٌ

تُقتَل فيها الخلقُ أو تُقحَطُ.

وقال في إبراهيم بن المهدي، غير ذلك، وهجاه بأشد منه:

نَعَر ابن شكلةَ بالعراق وأهله

فهفا إليه كلّ أطلس مائقُ

إن كان إبراهيم مضطلعاً بها

فلتصلحن من بعده لمحارقِ

أنى يكون وليس ذاك بكائنٍ

يرثُ الخلافة فاسقٌ عن فاسق!

و"شكلة" المذكورة، في الهجاء، هي أمّ إبراهيم بن المهدي.

المأمون غاضباً: ما في الدنيا أصفق وجهاً من دعبل

وقال في الخليفة المأمون، سابع خلفاء بين العباس، وهو عبد الله بن هارون الرشيد:

لا تحسبن جهلي كحلم أبي فما

حلم المشايخ مثل جهل الأمردِ

إني من القوم الذين سيوفهم

قَتَلت أخاك وشرَّفتْك بمقعدِ

شادُوا بذكركَ بعد طول خموله

واستنقذوكَ من الحضيض الأوهدِ!

ونقل عن المأمون أنه غضب غضباً شديداً بعد سماعه ما قاله دعبل فيه، خصوصاً الإشارة إلى أنهم أنقذوه من "الحضيض". فقال المأمون: "ما في الدنيا أصفق وجهاً من دعبل، كيف يستنقذني هو وقومه من الحضيض الأوهد، وأنا في جحر الخلافة رُبِّيتُ؟".

ونقل عن المأمون قوله "أنا أحلم وأصفح" وهو في صدد التعليق عما قاله دعبل فيه، وقال: "فقد عفوتُ عنه في هجائه إياي".

وهجا دعبل بن علي الخزاعي أهل مدينة "قم" الإيرانية. وقال فيهم:

تلاشى أهلُ قُمِّ واضمحلّوا

تحلّ المخزيات بحيث حلّوا

وكانوا شيدوا في الفقر مجداً

فلمّا جاءت الأموال، ملّوا!

قتل بعكاز مسموم فتفرّق دمه بين الخلفاء وعمّالهم

وينقل "الأغاني" بيتاً شعرياً هجا فيه دعبل الخليفة العباسي المتوكل، حيث وصفه بأشنع ما يمكن أن يقال هجاء في رجل:

ولستُ بقائلٍ قذعاً، ولكن

لأمرٍ ما، تَعبَّدكَ العبيدُ!

ويرد في "الأغاني" بعد ذكره هذا البيت: "يرميه في هذا البيت، بالأبنة".

وتجمع الروايات على أن أحد أشهر الأمراء العاملين لدى خلفاء العباسيين، وهو مالك بن طوق الذي ناله قسط لا يستهان به، هو الآخر، من هجائه المُر الذي قاله فيه، قد أمر بقتله، فأرسل إليه رجلاً قاصداً اغتياله. فوصل إليه وضربه بعكازة مسمومة، وقيل إنه مات في اليوم التالي لهذا الضربة.

وكان أكثر من خليفة عباسي قد سعى لقتل دعبل على هجائه، وأشهر من سعى لذلك، هو الخليفة المعتصم، وهذا ما جعل بعض المؤرخين يربطون اغتيال دعبل، بأمر المعتصم. إلا أن الحقيقة أن الخليفة الواثق أراد ذلك أيضاً، وكذلك إبراهيم بن المهدي، والمتوكّل.

ويأتي مخطط وتنفيذ اغتيال دعبل، بأمر من أحد أشهر عمّال العباسيين، وهو مالك بن طوق، ليكون محصلة ما سعى إليه عدد من خلفائهم ووزرائهم وعمالهم الذين هجا منهم الكثير، ليتفرق دمه بينهم جميعاً، خلفاء كانوا، أو عمالاً عندهم، كيحيى بن الأكثم، وأحمد بن أبي خالد، وأحمد بن أبي دؤاد، وغسان بن عباد، وعبد المطلب بن عبد الله الخزاعي، وطاهر بن الحسين، ومالك بن طوق الذي ارتبط اسمه بقتل دعبل، في شكل مباشر، ويعتبر صاحب الأمر بذلك، تاريخياً.