آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-02:10ص

أدب وثقافة


منى: الطالبة المتسولة في ساعات الليل الأخيرة

الأربعاء - 20 ديسمبر 2017 - 02:52 ص بتوقيت عدن

منى:  الطالبة المتسولة  في ساعات الليل الأخيرة

عدن ((عدن الغد)) خاص:

كتب :- نورالدين الشرجي

بقميصها المدرسي و وجهها الشاحب ، و عيناها التي يملؤها الجوع ، كانت تقف الطفلة  الطفلة " منى" (والاسم هنا مستعار)" أمام مطعم بيت الضيافة بصنعاء، تتحدث إلى الداخلين والخارجين من وإلى " بيت الضيافة" بأسلوبها الطفولي وكلاماتها المعتادة التي تسابق بها طفل آخر يقف بجوارها " صدقه  يا مصلين على رسول الله  " تمسك بيد هذا و بقميص الآخر ..

تكرر كلماتها المعتادة عسى أن تحصل على ما تمنت أن تحصل عليها ،فهي تقف
بين ظلامين " البرد و الجوع "..

الساعة تشير إلى التاسعة بعد المنتصف،  البرد قارص حد أن من يمشوا من خلاله يشعرون برعشة أجسادهم رغم  ملابسهم الدافئة ،إلا هي تبتسم في وجه البرد أملا بإن تحظ برغيف يملأ بطنها هذا المساء ، أملا بإن تساعد إخوانها الصغار لكي لا يناموا  ببطون فارغة

كان بجوارها طفل صغير ، يقوم بنفس العمل الذي تقوم به" لارا" ، يتحدث اليها و تتحدث اليها و كأن الناظر إليهم يشعر بأن نار التنفاس بينهما تبلغ حدتها ...

عيناي أخذتني إليهما ، فخلق بخاطري ألف سؤال ،لعل أحدها هو "   ما الذي يصنعه هؤلاء الصغار في ساعة متأخرة من الليل هنا؟!
و أي عقوبة هذه ليبقوا بعيدا عن منازلهم حتى هذه اللحظة ؟ ..

أخذت أبحث عن سبب مقنع في عقلي لعل و عسى أن أعطيهما عذراً يقنعني أن هذه الطفلة و صديقها يقومان بالشيء الصحيح في مساء شتويا كهذا ...

أليس لهم أحدا يعتني بهما و يحتويهما كالأسرة مثلا  ؟
فالذين يمتلكون عائلة تحتويهم لايمكن أن تسمح لهم عائلاتهم للتسول في هكذا  وقت ، حتى و أن كانوا بحاجة ماسة ليتسولوا ، فكيف أنك المتسول هي فتاة هكذا أجاب عقلي نفسه !

اقتربت منهما شيئا فشيئا،  تحدثت إلى الفتاة أولا ،كيف حالك يا صغيرة، ما الذي تصنعيه هنا في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ ..

مرحبا ، أنا اسمي" منى " أعيش ربيعي السابع هذا المساء ، أنا هنا أبحث عن ما أسد به جوعي و جوع أخواني الصغار ، أنني أبحث عن الريالات للحصول على بعض شطائر الخبز لي ولأسرتي ، أنا هنا منذ الساعة السادسة مساء، و هذا أخي ،نحن نحاول مساعدة أمي ،هي الأخرى تقف في الجانب الآخر من الشارع ،أمام" صيدلية أبن حيان " ، أنا طالبة و أخي كذلك ، ندرس في الصباح و نبحث عن الرغيف  في المساء ،نحن أسرة كبيرة ، لدي ستة أخوة ، معظمنا فتيات ، وجميعنا مازلنا صغارا ..

والدي كان سائق "دراجة نارية " إلا أنه تعرض لحادث مروري قبل عامين من الآن ، أصبح مع ذلك الحادث معاقا غير قادر على الحركة ، أعلم أن هذا البرد قارص إلا أننا نفضل أن نبرد مع كل مساء من  أن ننام مع البرد والجوع معا ، نحن بحاجة إلى الرغيف الذي يجعلنا نشعر بالدفء  ، الرغيف هو الأمان!

حينها تذكرت آخر إحصائية لمنظمة اليونسيف بإن أكثر من 21 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدة إنسانية  لتوفير متطلبات الحياة اليومية  ..

فمع استمرار حكم المليشيا لم يعد يزين شوارع صنعاء شيء غير المتسولين الذين يملؤ هذه المدينة ..
وبحسب اعتقادي فإن أغلب من يقوموا بعملية التسول خصوصا في هذه الأيام أغلبهم أطفال صغار بعد أن توقفوا عن التعليم ...

انضمت" منى  " إلى الأطفال الذين يكافحون في هذه الحياة،  فهي تمتلك  الأمل  لتواصل الحياة ، سيولد من بعد "منى" جيلا يعرف أنها لم تتوقف عن تعليمها رغم أن أكثر من 21% من أطفال اليمن توقفوا عن التعليم حسب إحصائية اليونسيف الأخيرة، بسبب الحرب والأوضاع المعيشية التي تعاني منها أسرهم .