آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-07:28م

أدب وثقافة


سراب من الماضي(قصة قصيرة)

الأحد - 17 ديسمبر 2017 - 07:00 م بتوقيت عدن

سراب من الماضي(قصة قصيرة)

كتب/

نهض من صمته الطويل ليعلن له قراره الأخير:

أنا راحل عند سماعه القرار الذي أتخذه نصفه الصامت دخل إلى نفسه الهلع إذ كيف يرحل نصفه ويتركه دون نصفه الأخر يريد أن يسأله إلى أين ومتى وكيف وما السبب تدور كل هذه الاسئلة تداعب عقله الذي اتعبته الهموم والمشاكل لكن لسانه عاجز وما زالت الاسئلة تعرض عليه وكأنها ورقة امتحان صعب لا اجابة لها، حزم أمره  لم يأخذ شيء إنه مسافر بلا متاع ولا زاد قد ملَّ من متاع الدنيا فقرر الرحيل وقبل أن يغادر بوابة المنزل صرخ به قائلاً:

ألا ترى أني أُحتضر .. وتكاد أنفاسي تتقطع

لم يستمع لما يقوله له بل أخذ ينسحب من المكان شيءً فشيءً حتى تقلص من عمره سنوات طوال فرأه واقفاً على  عتبة الباب صغيراً بسرواله القصير أبن ست سنوات وهو يحاول أن يفتح الباب يرفع قدميه حتى يصل إلى مقبض الباب وبعد أن تمكن من فتح الباب استدار نحوه يودعه بعينيه وهو في فراشه ينظر إليه وإذا بحلة الشباب تكسوه فيزداد نظارة وحيوية فترتسم على شفتي طريح الفراش ابتسامة مشرقة  وما أن تجاوز عتبة الباب حتى اكتسى بحلة الخريف شعر أبيض وارتسمت تجاعيد الشيخوخة على سائر جسده فرأى المغادر يعود ظلاً يرتسم فوق طريح الفراش فانطلقت أنات حزن وألم وذرفت عيناه وهو يحاول أن يمدّ كفه يكفكف ما انزلق منهما من دموع محاولاً رفع صوته ليناديه قائلاً:

عد لا ترحل ما زالت الدنيا نظرةً في عيني ، لا ترحل ، لا ترحل

تضيق الغرفة عليه يضيق نفسه يشعر بالضيق يحاول أن ينهض من فراشه لكنه لا يستطيع فقد فقدت الحواس قدرتها على الحركة يحاول أن يرفع صوته بالنداء لكن صوته يهوي إلى جوفه فلا أحد يستمع إليه، تصيبه رعشة الموت الأخيرة تنزع روحه يتصبب جسده بالعرق حتى يتبلل فراشه ثم يبرد الجسد شيئاً فشيئاً ينفصل الجزء الحي ويبقى نصفه الساكن مجثى في فراشه وحيداً منزوياً كما قضى كل حياته متواري عن الأنظار مجتنب لقاء الأخرين لم تشهد له جنازه بل ظل رفيق ديدان الأرض تأكل جسده المهترئ حتى تحلل دون أن يشعر برحيله أحد كما لم يحس بوجوده أحد