آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-07:23م

أدب وثقافة


قصة قصيرة : بطون جائعة

الثلاثاء - 05 ديسمبر 2017 - 06:08 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة : بطون جائعة
صورة ارشيفية

عدن (عدن الغد)خاص:

بقلم : عصام عبدالله مسعد مريسي

 

أرملة جميلة وأطفالها الأربعة أصغرهم مازال رضيع ملتصق بصدرها يبحث عن ما يملأ أحشاؤه الجائعة فلا يجد شيء فبطن أمه خاوية فيلجأ إلى البكاء كلما أشتد به الجوع ، يشتد به الجوع ويشتد البكاء والأم تنظر إلى صبيتها وهم يتضورون جوعاً، تنهض تتجه نحو المطبخ تقلب أدواتها لا تجد شيء ، تخاطب أبنائها:

سوف اغادر المنزل ابحث عن طعام يشبع جوعكم .. لا تغادروا المنزل

تغلق الباب ، تغادر المنزل تتجه نحو المجهول لا تدري أين تتجه إلى مَن تذهب تسير في الشوارع عيناها ترصد كل شيء حتى تقودها قدميها أمام مطعم راقٍ من خلف الزجاج تنظر إلى الزبائن وهم يتناولون وجبات فاخرة عامرة بأنواع الاطعمة اللذيذة يكاد لعابها يتدفق من فمها الذي يشتهي أي شيء يملأه ، من بعيد في أحد أركان المطعم من يرمقها بعين شبقة رجل أربعيني يبدو عليه من ملابسه أنه ليس من أهل البلد ، وهي مازالت واقفة تقلب بصرها علّها تجد فرصة فتدخل إلى المطعم لتأخذ ما تبقى على الموائد في غفلةً من حراس المطعم ، تمد خطواتها حتى تقف على إحدى الموائد تحاول بسرعة جمع ما بقي من طعام فإذا بالنادل يمنعها ويجرها إلى خارج المطعم وهو يصرخ وينادي على حراس المطعم:

أخرجي .. هيا غادري المطعم .. أيها الحارس أخرج هذه الشحاتة

مازال الرجل الغريب من على مائدته يرمق المرأة الجائعة بنظراته الشبقة مستمتع بحركاتها وهي تقاوم الحارس ونادل المطعم ينهض من مكانه مسرعاً باتجاه المرأة صارخاً  في وجه حارس المطعم ونادله :

اترك المرأة ، ألا ترى أن طفلها بين أحضانها ، ثم يطلب من النادل أن يجهز لها طعام إلى خارج المطعم:

أسرع وجهز طعام حتى نأخذه إلى خارج المطعم

يتهلل وجه المرأة عند سماعها ذلك ويكاد لعابها يسيل وتبدأ امعائها تتصارع حتى يسمع قرقرتهم ، وما أن يجهز الطعام تغادر المرأة يلحق بها الغريب وهو يدعوها ليمنحها المزيد:

هل تتبعيني إلى مكان اقامتي ؟ أريد أن امنحكِ بعض الاشياء

أثار طلب الغريب شك المرأة وبدأت الوساوس تعبث برأسها المهموم بإشباع بطون أطفالها الجوعى لكنها طمعت في الحصول على المزيد ، فأخذت تركض خلف الغريب وهو يحاول جرها من يدها محاولاً اشباع شبقه وهي تضم رضيعها بيداً وماده الأخرى تتسلق بأدرع الرجل الغريب ، يدخلا من بوابة الفندق، بقوة تحاول أن توقف الغريب عن حركته يبهرها جمال المكان وروعة الأثاث ، تحلق بنظرها في كل أركان المكان في دهشة واعجاب

يعاود جرها يقف بها عند عامل الاستعلامات الذي يستوقفه ويطلب منه بعض الوثائق:

إذا تكرمت وثيقة الزواج

يخرج الغريب حفنة من النقود يضعها على طاولة الاستعلامات ، يمد عامل الاستعلامات يده إلى النقود ويدفعها بسرعةٍ إلى جيبة ويتناسى طلب الوثائق التي طلبها وعيناه تتجه يمنةً ويسرةً تترقب أن لا أحد شهد الموقف، مازال الغريب يجر المرأة الجائعة بيده صاعداً بها سلم الفندق يفتح الباب يندفع إلى الغرفة والمرأة واقفة أمام الباب يدفعها دفعاً حتى أصبحت وسط الغرفة ، في هذه اللحظة أدركت مقصده عيناها توزع نظراتها إلى الأكياس الممتلئة بالطعام ورغبتها في العودة بها إلى صغارها الجوعى حتى تملأ بطونهم وباشمئزاز إلى الغريب ورغبته المحرمة وفي لحظة ذهول يسودها الصمت وهي غائبة في نسج الماضي إلى جوار زوجها الذي يعاني من سكرات الموت ، والغريب يقتنص الفرصة بعد أن تجرد من ثيابه يقترب من المرأة المذهولة يحاول نزع حجابها وهي مازالت في غياب عن الوعي والرجل الغريب يتقدم أكثر نحو المرأة الجائعة يحاول مداعبتها ، يصرخ صغيرها ويجهش بالبكاء تستفيق من غفلتها تنهض من مكانها تمدُّ ذراعيها نحو الطفل الرضيع تلتقطه وتهرول نحو الباب حتى تغادر المكان المشبوه ينادي الرجل الغريب :

لا تتركيني .. سأعطيك ما تشائين ،، انتظري

يقدم حفنة من النقود ، تمدُّ المرأة يدها لتدفعه بعيداً عنها فتطيش النقود وتتناثر في ارجاء الغرفة ، تغادر المرأة مهرولة  خارج الفندق دون أن تلتفت إلى شيء خلفها و الغريب مازال ينادي :

 عودي .. عودي

وجميع من في الفندق ينظر اليه وهو شبه عارٍ من ملابسه والنقود متناثرة في نواحي الغرفة والمرأة قبل أن تغادر المكان وهي على حافة بوابة المكان تقول :

نموت جوعاً دون أن يمسنا العار.. اذهب بعيداً بنقودك الموبوءة

تغادر المكان مسرعةً حتى تعود من حيث أتت صغارها ذوي البطون الجائعة لتتذوق حلاوة الجوع مع العفة والشرف0