آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-04:59م

ملفات وتحقيقات


تحليل .. المجلس الانتقالي .. نجاح مشوب بالتوجس

الأربعاء - 01 نوفمبر 2017 - 06:31 م بتوقيت عدن

تحليل .. المجلس الانتقالي .. نجاح مشوب بالتوجس

تحليل / صلاح السقلدي

لا شك أن قُطر دائرة المساحة التي بات يتحرك فيها «المجلس الانتقالي الجنوبي» في الأيام الأخيرة في اتساع مستمر. يأتي ذلك متوازياً مع حالة الإرباك التي تعيشها القوى المنضوية تحت سلطة الرئيس هادي وحزب «الإصلاح» (الشرعية)، سواءً على المستوى السياسي أو العسكري، والتي كانت آخر تجلياتها سقوط عدد من المواقع الاستراتيجية في تعز والضالع وشبوة، في ظل عدم رضاء سعودي عن مستوى أداء هذه السلطة وتعثرها المستمر في الجبهات القتالية... هذا التعثر الذي وضع السعودية و«التحالف» عموماً على حافة الفشل، وفي فوهة انتقادات دولية حادة جراء ارتفاع أعداد الضحايا وإطالة مدى الحرب وتدهور الوضع الإنساني. كل هذا وغيره من العوامل أتاح لـ«الانتقالي الجنوبي» الفرصة ليستعيد زمام المبادرة على الأرض، بعد قرابة شهرين من تحركات الحكومة بقيادة رئيسها، أحمد بن دغر، برضاء وحماية إماراتية واضحة أثارت حفيظة واستغراب «المجلس الانتقالي» الذي غيّبته تلك الخطوات عن المشهد السياسي والجماهيري، حتى كاد يضمحل نشاطه.

 

دولة الإمارات العربية المتحدة يبدو أنها عرفت من أين تُؤكل الكتف اليمنية وليس فقط الجنوبية. فهي بعد أن صرفت نظرها - تقريباً - عن هدف استعادة سلطة هادي للحكم، وإسقاط القوى الحاكمة في صنعاء (صالح والحوثيين)، وباتت تغير أولوياتها بين الحين والآخر بحسب خارطة التطورات على المسارين السياسيَ والعسكري بما ينسجم ومصالحها العليا في هذه الحرب، من خلال البحث عن القوة السياسية والجماهيرية والعسكرية التي تصلح لأن تكون محل شراكة مستقبلية معها، قد وضعت «الانتقالي الجنوبي» في طليعة حلفائها على الساحة أقله في المدى المنظور، إن لم يكن إفساحها المجال له مجرد ورقة ضغط تلوّح بها بوجه حزب «الإصلاح» - إخوان اليمن - كما درجت عادتها منذ دخولها عدن قبل أكثر من عامين، خصوصاً بعدما بدأ الحزب يجهر شيئاً فشيئاً بعزمه على الخروج من عباءة «التحالف العربي» بدعم قطري واضح لا تخطئه عين مواطن بسيط، ناهيك عن مراقب سياسي، وبعد احتدام الخلاف بين «الإصلاح» والإمارات في محافظة تعز، على خلفية رفض الأول الخطوات التي يقال إن الإمارات تسعى إلى تنفيذها، من مثل سلخ جزء من المحافظة باسم محافظة وليدة على الساحل الغربي التعزي، وإنشاء قوة «حزام أمني» في المحافظة على غرار ما تم في المحافظات الجنوبية، حيث اعتبر «الإصلاح» هذه الخطوة على طريق «ملشنة» المؤسسة الأمنية، وتوغل «الاحتلال الإمارتي» في المحافظة، في الوقت نفسه الذي تزيد فيه الإمارات من دعمها للقوى السلفية المتشددة، المناوئة فكرياً وسياسياً لذلك الحزب ذي التوجه «الإخواني».

 

قناة «الجزيرة» القطرية هي بوصلة السياسية القطرية. هكذا عرفها العالم منذ سنوات. فحيث يتجه مؤشر هذه البوصلة فثمة أثر ووجود لليد والمصلحة القطرية. يوم الأحد الماضي، في 29 أكتوبر الجاري، عقد وزراء خارجية ورؤساء أركان دول «التحالف العربي» لقاءً لهم في الرياض هو الأول من نوعه، بعد أيام من ازدياد وتيرة تساقط الصواريخ «الحوثية» على جنوب المملكة، وبعد أيام قليلة أيضاً من تصريحات الأمير محمد بن سلمان عن أن الحرب ستستمر إلى أن تتأكد بلاده من أن الحوثيين لن يتحولوا مستقبلاً إلى «حزب الله» جديد في اليمن.

 

وفي غمرة هذه التطورات، دخلت قطر، وعبر رأس حربتها الإعلامية، قناة «الجزيرة»، على الخط بقوة، حيث صوبت حربتها إلى صدر «التحالف»، في اليوم نفسه الذي كان فيه هؤلاء في الرياض يعقدون لقاءهم، حيث استضافت القناة، وبطريقة لا شك في أنها استفزت «التحالف» في الصميم، ناطق حركة الحوثيين، محمد عبد السلام، ليطل من على شاشتها بأقوى التهديدات، بإطلاق صواريخه ليس فقط ضد السعودية رداً على تصريحات أميرها، بل ضد الإمارات العربية المتحدة.

 

مثل هذه التوجهات القطرية يلتقطها حزب «الإصلاح» ليتناغم معها على الأرض، ويرسل رسائله الخطيرة. فبعد أقل من 24 ساعة، وبحسب مصادر مؤكدة من تعز، فقد سحب الحزب مقاتليه عمداً من أهم المواقع الاستراتيجية، جبل هان، بعد أيام من انسحاب مماثل في عدة جبهات، في حين وصفت قناة «سكاي نيوز» الإماراتية مقاتلي «الإصلاح» بأنهم مليشيات، وبأنهم تخاذلوا في تلك المعركة.

 

هذه التطورات على الأرض تقرب «الإصلاح» أكثر من معسكر صنعاء، بذات القدر الذي تبعده به عن «التحالف»، مما يعني بالضرورة أن الإمارات بدأت ترى في «المجلس الانتقالي الجنوبي» حصان رهانها المُعوّل عليه في مضمار سباق المصالح المحموم في اليمن. ولكن هذا الاهتمام الإماراتي لم يرتق بعد إلى درجة التحالف الاستراتيجي المصيري بين الطرفين، في ظل عدم عزم أبوظبي حتى اليوم على منح الضوء الأخضر بقوة للمجلس، للمضي قدماً نحو السيطرة الفعلية على الأرض وعلى حساب «الشرعية». كما أن الإمارات لم تعترف بالمجلس ولو ضمنياً كممثل للقضية الجنوبية - على الأقل حتى هذه اللحظة -.

 

إن الإمارات ما تزال محكومة بالتزامات إقليمية سعودية ودولية في الشأن اليمني ليس من السهولة الفكاك منها، ولا يمكن لها أن تتصادم معها وتخسر كل هؤلاء، حتى وإن كان المقابل شريكاً سياسياً موثوقاً به ويتمتع بتأييد جماهيري جيد كـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» برغم ما يواجهه من تحديات وانتقادات جنوبية حادة بعدم جديته في المضي فعلاً نحو استقلال الجنوب، خصوصاً وأن الإمارات تمضي بأريحية نحو تثبيت وجودها وترسيخ مصالحها على الأرض الجنوبية دون أي اعتراضات أو اشتراطات من هذا المجلس، الذي يضم في قيادته بعض الرموز ذات الولاءات الحزبية والدينية السلفية المشكوك بقناعتها الجنوبية التحررية، ناهيك عن سخط واضح على طريقة أداء «الانتقالي» من قِبَل قوى الحراك الجنوبي الأخرى، التي ترى في المجلس رهينة بيد جهات خارجية مخادعة.

 

وعلى ما تقدم، نستنتج أن التحركات التي يقوم بها «المجلس الانتقالي» برضاء الإمارات تظل دون المستوى الذي يأمله الجنوبيون، ويشوبها شيء من التوجس برغم الزخم الذي اكتسبه المجلس سياسياً وجماهيرياً برضاء ودعم إماراتي، طالما وأن الموقف السياسي الرسمي الإمارتي حيال الجنوب يلفه الغموض وتكتفه المراوغة. فحين تنشر كبريات الصحف الإماراتية كصحيفة «الاتحاد» الرسمية، يوم أمس الأول، افتتاحية عن المسـألة الكردية في العراق بعنوان هو: «الانفصال ليس حلاً»، فإن هذا التوجه الإماراتي يمكن إسقاطه على الوضع في اليمن بسهولة، عطفاً على مواقف أبوظبي التي لم تراوح مستوى التعامل الخجول مع مطالب الجنوب التحررية، والتي لم تر - أي الإمارات و«التحالف العربي» ككل - فيها وفي القضية الجنوبية أكثر من وسيلة ضغط في وجه الشمال، للظفر بأهداف ومطامع معلنة وغير معلنة.

 

المصدر / العربي