آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-12:40م

ملفات وتحقيقات


(بلدة كرش) وسط لهيب البارود .. وسكانها يواجهون الموت

الإثنين - 30 أكتوبر 2017 - 10:51 م بتوقيت عدن

(بلدة كرش) وسط لهيب البارود .. وسكانها يواجهون الموت

تقرير / ماهر عبدالحكيم الحالمي

بلدة كرش التي كانت في عهد احقاب الاستعمار الانجليزي للجنوب العربي، عبارة عن واحة خضراء بين سلسلة جبال شاهقة مكسية بموكيت أخضر من النباتات والأشجار، لاسيّما يوجد فيها حمام ساخن طبيعي زاد من نفحات الجمال لجمالها؟ حيث كان يستخدمها الانجليز بما فيها الملكة اليزابل للسياحة في أيام العطل وعند شعورهم بضيق، فكانوا يقضون أجمل أوقاتهم في بلدة كرش التي كانت في مرحلة الحياة التي ليس لها أوّل ولا آخر...ظلّلتُ الساعات وأنا مأخوذ بسحر ذلك المنظر الزاهي الباهي الجميل(لبلدة كرش)التي كانت ذات يوم صاحبة جمال الذي نحن نتمنى استعادته، في شبة صلاة روحية وخشوع فكري وجلالة تغمر النفس، وتخلع على الحياة شعراً وتحيطها بالأطياف والأرواح، وتملؤها بأسرار النفوس وخفايا، ويا لقدرة منظر كمنظر بلدة كرش المنحدرة على وادي عقّان، زخر جميع سُّكّانها من حنين إلى المجهول وشجو الى الماضي، وتطلُّع إلى المستقبل المنظور!

 

على شفتيها ابتسام وفي نفسها مرارة

يوجد فيها نهر صغير (غيل) في الجهة اليمنى من البلدة وهو أكثر زبداً وصخباً من الغيل في الجهة اليسرى، ويتكاتفا الاثنان معاً في مرحلة الحياة التي ليس لهل أوّل ولا آخر، هكذا يسيران، وقلّت: وحشتهما وزاد أُنسهماً، فتلمح نجواهما وشعورهما بالرضاء الوادع والحكمة الهادئة، وهما يندلفان في سير سريع ما سار الزمن وبقيت الحياة...!

 

فما تشهد شيئاً من العنف او من الاندفاق الظاهر، وإنما تشاهد العمق البعيد مُتَّشحاً بثوب الهدوء والسطحية البارزة، وتشاهد العَدو السريع تلمح شيئاً من آثاره ومظاهره، ولقد تسمع الوسوسة من حين لآخر، بين نباتات المياه كأنما اشتدت بها الوحشة، وكثر عليها الصمت والسكون!،ولكن العالم غاف، وللعلم حرمة عندها فتنطق في صوت خافت وتهمس بدلاً من أن تفصح، ويعود الماء إلى سكونه ووحشته الجميلة.

 

العين لا تفتأ تنظر إليه ولا تتعب من ذلك، ولا تحسّ إعياءً ولافتوراً، ولقد يقع حجر في النهر وسط ذلك السكون فيكون الصوت الذي يحدثه موسيقا لا تعثر عليها عند أعاظم أرباب الموسيقى والفنون! وأسأل أحياناً: من أين –يا ترى-تأتي هذه المياه؟ وإلى أين هي ذاهبة؟أهي لاتفتر من هذه الحركة الدائمة والدائرة التي تنتهي لتبتدئ،وتبتدئ لتنتهي؟إلى أين أيّتها المياه؟ومن أين؟ألا تفترين؟ألاتسخطين؟ ألا تنابك عوامل الضجر والسأم؟ فألمحها تسخر بي وتشفق عليّ،وعلى شفتيها ابتسام،وفي نفسها مرارة،وهي تهمس خوفاً من أن تسمع"هكذا"،لقد نفذ القضاء اليس من الحماقة والضيق والتأفُّف مما لا بدّ منه ولا محيد عنه.

 

بلدة كرش ولاشيء هناك غيرها،اليس من الخير أن نتحمّلها ونكون عند ظنها،ولا نفتر عنها؟بل نحياها في أناة ورضاء وابتسام وادع مرير،ذلك "احكم لوكنتم تعملون"وكذلك تذهب المياه معزّزة حديثها بالابتئاس والاصطخاب،ونسيانها للشعور بالنفس،وهزئها بشعور الملال والإعياء،والماء في جريه ووسوسته الدائمة يتخطّي البلدة راكضاً وادعاً،يمثّل فلسفة حياة سُّكّان بلدة كرش،وأحتمالهم والتغلُّب على شعور الملال وداعي الإعياء والسخط وأن النصر حتماً سيأتي عما قريب.

 

معاناة بلدة كرش

في هذا الضوء نسلط تقريرنا معاناة بلدة كرش وسُّكّانها،فبلدة كرش هي البوابة الغربية او مفتاح الجنوب العربي،وتشهد بلدة كرش معارك ضارية بين قوات الجيش الوطني الجنوبي اللواء الثاني مشاة حزم من جهة وقوات مليشيات الانقلابية الحوثية العفاشية من جهة أخرى،خلال ثلاثة أعوام على التوالي صدّ الجيش الوطني الجنوبي عدة محاولات من قِبل مليشيا الانقلابية ولايوجد أي إحراز أختراق لتلك الجبهة وهو ما يؤكد صلابتها في وجه المليشيات الانقلابية الإحتلالية.

 

وضعت العملية العسكرية أهالي بلدة كرش أمام مصير مجهول كباقي المناطق الأخرى،وسط تخذيرات المنظمات الدولية من تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق،فالسُّكان يعانون من أوضاع متردية للغاية مع أشتداد معارك الحرب الكر والفر داخل أحياء بلدة كرش،التي زالت مكتظة بالسُّكّان في ظل إستمرا المعارك ولايستطيعون النزوح إلى المدَّن بسبب الظروف المادية والمعيشة التي يعيشونها صعبة،لاسيّما قلة إمدادات الغذاء والدواء من قِبل المنظمات،يعرّض الحياة الأكثر فقراً لخطر مُميت.

 

واقع مؤلم وغياب السلطة المحلية

لا نعلم أين نبدأ فالوضع صعب في مختلف مناحي الحياة،فسُّكّان بلدة كرش أثقلتهم كاهلهم،الظروف الصعبة وقست عليهم الحياة،ويعانون أشد المعاناة من الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار الذي يعمل على تآكل قدرات الإنسان الواقع مليء بمشاهد الدمار الذي لحق ببلدة كرش،فالأطفال غير قادرين على التخلص من رؤية الدم وأصوات المدافع العالقة في أذهانهم ومسامعهم من واقع مدمر ومؤلم تمر به بلدة كرش على فوهات مدافع الحرب التي تجني القتال ودّمار ولهلاك فقط.

 

أنّ المعارك التي تشهدها بلدة كرش،معارك جرت ولازالت خلفت قرى ينتشر فيها الدمار ليس عند هذا الحد،بل تعداه إلى معاناة مستمرة ليس لها نهاية اقتصادية وتعليمية وصحية وأمنية وحصار لمنطقة الشريجة منذ ثلاث سنوات،والتي أدت لعيش الأهالي واقع مزر تنطلق منه الأستغاثات والنداءات المتكررة لكن دون جدوى،فمن تقع على عاتقهم المسؤلية من حكومة وسلطة المحلية لا ينفكون إلى معاناة أهالي بلدة كرش من أجل زيادة مكاسبهم ونفوذهم متناسين لدورهم.

 

دّمار وحياة مريرة

يعيش الأهالي في كرش واقعاً مريراً لما يلاقونه من مصاعب جمّة،فأصبحوا تحت رحمة فوهّة البندقية وقذائف المدفعية مما زاد معاناة سُّكّان كرش التي يشتكي أهلها من نقص حاد في الخدمات، وأبسط مقومات الحياة،هذا فضلاً عن الأمراض المزمنة وأنتشار سوء التغذية في معظم أطفال بلدة كرش،أوضاع متردية للغاية مع أشتداد معارك الحرب الكر والفر داخل أحياء بلدة كرش،التي زالت مكتظة بالسُّكّان وقلة إمدادات الغذاء والدواء يعرّض حياتهم لخطر مميت.

 

دُّمرت البنية التحتية بشكل معتمد من قِبل المليشيات الانقلابية عند أقتحام بلدة كرش في (2015)شهر مارس عند أجتياح الجنوب العربي،دمار وزادت نسبته الدّمار عن 80% من بنيتها على جميع المستويات،ودّمرت المستشفى وتضررت منازل المواطنين،هذا ناهيك التدّمير النهائي،مآسي ومعاناة لاتنتهي عند هذا الحد في بلدة كرش كحال بقية شقيقاتها من قِبل المليشيات الانقلابية التي تمارس الظلم والاجرام ليل ونهار من أجل تنفيذ مشاريع أسيادها في التوسيع والهيمنة والتغيير الديموغرافي للسيطرة على الشعب والبلاد.

 

أنّ الحرب في جبهة كرش وإستمرارها لقرابة ثلاث أعوام في ظل غياب حكومي وسلطة المحلية برئاسة الدكتور"ناصر الخبجي"محافظ محافظة لحج،الذي نراهم يتسابقون على الكيمرات و لمناصب لقيادة الثورة فقط،وحضور قوي لفوهات البندقية والمدافع من كل الأطراف،تضاف لها الغارات الجوية لدول التحالف العربي،دفعت أهالي بلدة كرش إلى حافة الفقر،ومع تأخر المرتبات ضاعفة معاناة أهالي بلدة كرش،وفي الوجه الآخر لم يعد سُّكّان بلدة كرش أن يكترثوا بالخطر خوفاً على حياتهم جراء الرصاصات القاتلة او القذائف المدّمرة وصورايخ المهلكة،ولكن همهم الأوّل هو كيف يوفروا لقمة عيشهم وكيف ينفقوا على أسرهم لاسيّما الأطفال،أما النازحين من بلدة كرش لايستطيعون توفير إيجار السكن نهاية كل شهر،فقد أصبح كابوساً يخيم على حياتهم،تزامناً مع التضخم الكبير وأنهيار سعر العملة اليمنية الريال أمام العملات الصعبة إلى قرابه الضعف منذ بداية الحرب والذي أصبح فية الراتب بالريال اليمني يفقد القمية الشرائية للمستفيدين منه ويتبخر في الهواء غي مقابل إرتفاع الأسعار الجنوننية.

 

حجم المعاناة لاتطاق بسبب الوضع الأقتصادي والمعيشي الذي خلفته الحرب،ويصبح على أهالي بلدة كرش كابوس،مثل الكثير من الجنوبيين،مع الفارق الكبير طبعاً في حجم المعاناة بين كل طرف.

 

تقرير حقوقي

كشف تقرير حقوقي عن وضع الإنساني في بلدة كرش التي تعانيه نحو (4000)الف نسمة في بلدة كرش،التقرير الذي حصلنا عليه،رصد مئات الإنتهاكات التي أرتكبت بحق سُّكّان بلدة كرش، بين مقتل وإصابة العشرات وتهجير مئات الأسر إضافه إلى فرض حصار وطبق على منطقة الشريجة.

وأكد، التقرير أن مليشيات الحوثي تفرض حصاراً مطبقاً على منطقة الشريجة، وبحسب التقرير الصادر عن لجنة الحقوق الإنسانية والتنموية ورصد، فقد رصدت خلال الفترة من سبتمبر(2015)إلى سبتمبر(2017)أكثر من (1327) حالة انتهاك تنوعت بين القتل والاختطاف والتعذيب والتهجير والنزوح.

 

صورة مشجية ..وما نذكر؟

لم يتبقى من جمال بلدة كرش الساهي الوادع الذي تستمرئه النفس لأوّل نظرة، ويفرح له اللبّ وتجزل الروح، إلا مايميل بذهن إلى خواطر محزونه، وصور  مشجية، وفي نفسي شجوناً حزيناً؟ لشجوها الكئيب الذي لم يبقى لهُ إلا أن يدمع؟ وما هذه الوحشة المخيفة؟ وما لرمالها الناصعة تبعث في أنفسنا الأسى والذكريات الأليمة، ويا لشده ما يذكرني؟،قد أصبح طفل بلدة كرش يذكر أباة ويذكر بيتهم القائم وسط الزرع وحيداً لا أخ له، كالشارة المسومة وسط ذلك الزرع الحافل! أين كل ذلك اليوم؟،لقد مات أبي وأضمحلّ الزرع وتهدّم البيت وما بقى منه سوى الجدران والتراب، وصار مأوى حيوانات شاردة من زئير الحرب، بيت تسكنه الهوام ويعمره الخراب الماثل للعيان، لتبقى بلدة كرش مصلوبة على خط النار، واضمحال الأحلام على فوهّة البندقية يوماً بعد يوم، لكن الحياة مستمرة رغم كل الآلام والجراح، فمن يرسم البسمة البرتقالية على شفاه الكثير من أبناء بلدة كرش التي وضعتها العملية العسكرية أمام مصير مجهول.