آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-05:01ص

ملفات وتحقيقات


اليمن: الطواقم الصحية الحكومية تنقذ حياة الناس ولكنها لا تتلقى رواتبها في بلد مزقتها الحرب

الأربعاء - 18 أكتوبر 2017 - 03:08 م بتوقيت عدن

اليمن: الطواقم الصحية الحكومية تنقذ حياة الناس ولكنها لا تتلقى رواتبها في بلد مزقتها الحرب

عدن((عدن الغد)) خاص:

قطاع الخدمات الطبية في اليمن يعاني من مشاكل واسعة وحرجة، وجزء كبير منها يتعلق بعدم تلقي معظم موظفو وزارة الصحة والسكان راتباً منتظماً منذ عام، وذلك وفقاً لتقرير أصدرته المنظمة الطبية الدولية أطباء بلا حدود وحذرت فيه بخصوص هذا الشأن. وتدعو منظمة أطباء بلا حدود إلى تأمين الدعم المالي للطواقم الصحية الحكومية بشكل عاجل بغية تجنب مزيد من التدهور في الخدمات الطبية المنقذة لحياة الناس في اليمن.

فبعد عامين ونصف على الحرب في اليمن، أدت القنابل وخطوط الجبهات والنزوح الجماعي وانتشار الأمراض إلى تدمير بنية العائلة اليمنية. وفي السنة الفائتة، لم يحصل معظم الموظفين المدنيين اليمنيين، والذين يقدر عددهم بـ 1.2 مليون موظف، على أي راتب، بما في ذلك عشرات آلاف الموظفين في قطاع الصحة العامة على امتداد البلاد. ويستند التقرير الجديد الذي أصدرته منظمة أطباء بلا حدود والذي يحمل عنوان إنقاذ حياة الناس دون رواتب على خبرة المنظمة في البلاد ويضم شهادات من الفرق الطبية التابعة للمنظمة ووزارة الصحة العامة والسكان وكذلك من المرضى وعائلاتهم.

وفي هذا السياق تقول إحدى الممرضات في مركز الخميس الصحي في محافظة الحديدة، "لا يتفهم الناس بأنه ليس لدينا أدوية على نحو دائم؛ نضطر لاستخدام أموالنا الخاصة لشراء الأدوية"، وتضيف، "يصرخ علينا الناس ويقولون ’لماذا أنتم هنا؟‘"

ويعد وباء الكوليرا الراهن مثالاً صارخاً لتبعات عدم دفع رواتب الأطقم الطبية. حيث يؤدي ذلك إلى انهيار النظام الصحي العام الضعيف أصلاً، والذي يتشكل عموده الفقري من الأطباء والممرضات والقابلات القانونيات وغيرهم من الطواقم الطبية.

ومن جهتها تقول المنسقة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في اليمن ميليسا ماكراي، "يشعرنا الالتزام الذين نراه كل يوم من الطواقم الحكومية بالتواضع". وتضيف، "يعملون منذ عام دون أي مقابل مادي، ويقوم العديد من الموظفين بكل ما هو ممكن لاستمرار الخدمات الصحية، مهما كانت ضئيلة، وهم يفكرون بكيفية تأمين الطعام والثياب والسلامة لعائلاتهم. واضطر آخرون للبحث عن وظائف بديلة أو لأخذ أجرة من المرضى مقابل الرعاية الطبية التي من المفترض أن تكون متوفرة بشكل مجاني".

ويعد ذلك جزءاً يسيراً من الواقع المرير الذي يعيشه العاملون في القطاع الصحي على امتداد البلاد؛ حيث يتحملون العواقب المأساوية للحرب وهم يفقدون أحبتهم، وفي ذات الوقت يعملون ضمن مرافق صحية تتعرض للهجوم على نحو متكرر.

تدعو منظمة أطباء بلا حدود إلى اتخاذ استجابة سريعة من قبل جميع السلطات اليمنية والمجتمع الدولي بغية ضمان أن يتم دفع مستحقات العاملين في القطاع الصحي بشكل فوري؛ لأن الحصول على أجور وافية يعد تدخلاً منقذاً لحياة العديد من الأشخاص. وسيؤدي فشل القيام بذلك إلى التسريع في زوال النظام الصحي مع ما يرافق ذلك من عواقب وخيمة. حيث تتزايد الأمراض والوفيات التي يمكن تجنبها في اليمن، ويمكن أن يعزى ذلك جزئياً إلى عدم دفع رواتب الأطباء العامين.

تقوم منظمة أطباء بلا حدود بدفع رواتب لـ 1200 من طواقم الصحة العامة الذين يعملون في مرافق صحية نقوم بإدارتها ودعمها على امتداد عشر محافظات يمنية. وفي العام المنصرم أنفقنا أكثر من خمسين مليون جنيه استرليني على مشاريعنا في هذا البلد، ولكن مشاريعنا ما هي إلا قطرة في محيط.

 

* آخر ما تبقى من النظام الصحي في اليمن

 

في غرفة الإسعاف في مستشفى الكويت – المرفق العام الوحيد في صنعاء الذي يقدم الخدمات للعموم مجاناً – يستمر العشرات من الموظفين في العمل على الرغم من أنهم لم يتسلموا رواتبهم منذ عامٍ كامل. معظمهم قد تلقى حوافز من منظمة أطباء بلا حدود، ولكنها لم تكن تغطي احتياجاتهم.

 

كوكب، أستراليا، أمين، أحمد، والعديد غيرهم من أطباء وقابلاتٍ وممرضين وممرضات ظلوا يعتنون بمرضاهم ويتابعون عملهم على الرغم من عدم تلقي رواتبهم. ولكن كل يومٍ يمضونه في عملهم في المستشفى يأتي ومعه مجموعة جديدة من الأسئلة: هل سأتمكن من تأمين أجرة المواصلات ليوم غد؟ ماذا سيحدث لو أن أحد أفراد عائلتي أصابه المرض؟ هل سأضطر إلى بيع المزيد من الحليّ لأشتري بثمنها الطعام؟

 

هذه الأسئلة والصعوبات التي يشاركونها مع أطباء بلا حدود ما هي إلا انعكاس غير سار لانهيار النظام الصحي في اليمن الأمر الذي يمثل قمة جبل الجليد أي المآسي التي يتوجب على المجتمع الدولي التصدي لها قبل فوات الأوان.

 

"اسمي أستراليا وأعمل قابلة. بدأت العمل في مستشفى الكويت في عام 2009؛ وحتى أيلول (سبتمبر) 2016 كان راتبي 38,000 ريـال يمني أي ما يعادل 100 دولار. كانت تلك هي آخر مرة استلمت فيها الراتب. منذ ذلك الوقت لم أستلم أيّ أجرٍ عن عملي. في بعض الأحيان أضطر إلى القدوم إلى المستشفى مشياً على الأقدام لأنني لا أمتلك أجرة المواصلات.ما زال عملي هو نفسه لم يتغير، إلا أنني أقوم به الآن دون مقابل. أشعر بالغصة والمرارة ولكننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً إزاء ذلك. قمنا بعمل إضراب لبضعة أيام ولكننا عدنا إلى عملنا. كانت عائلتي تعطيني بعض المال بين الحين والآخر ولكن أفراد عائلتي يعملون هم أيضاً في القطاع العام ويواجهون نفس الصعوبات بسبب اقتطاعٍ الرواتب. أحد إخوتي كان يعمل طيّاراً قبل الحرب أما الآن فهو يعمل في محلٍ لبيع العباءات. من المحزن أن نرى ما آلت إليه حالنا".

 

تركض كوكب من مريضٍ إلى آخر وتبذل جهدها ليكون كل شيء على ما يرام. تلتقط أنفاسها وهي تحدق في غرفة الإسعاف.

 

"كنت سعيدةً جداً حين حققت هذه الخطوة. نحن اليمنيين نسعى للعمل في وظائف الدولة لأننا نعتقد أنها أكثر أماناً".

 

بدأت كوكب العمل في مستشفى الكويت قبل عام، ولكنها لم تتلقَ أيّ أجرٍ مقابل عملها حتى الآن. وكمعظم زملائها، تستمر كوكب بالعمل آملةً بقدوم أيامٍ أفضل ولكن لذلك كلفته.

 

"في عطلة نهاية الأسبوع أقوم بشراء القات [نبتة لها أثر منشط حين تُمضَغ] من السوق وأحاول أن أبيعه. نعيش على ما أكسبه من ذلك وأحاول أن أوفر بعضاً مما أكسبه كأجر للمواصلات لكي أذهب إلى عملي. وحين لا يتوفر ليَ المال أذهب إلى المستشفى مشياً على الأقدام على الرغم من بعد المسافة. إنه وضع مُحبِط ولكن ليس بالإمكان فعل أيّ شيء".

 

* شهادات بالفيديو

 

 

يشغل الدكتور أمين الجنيد منصباً لا يُحسَد عليه حالياً، فبوصفه مديراً لمستشفى الكويت يستشعر الدكتور الجنيد مسؤولياته تجاه العاملين معه في المستشفى. لكن بالنسبة إليه فإن الأولوية الأولى هي أن يستمر المستشفى في تقديم الخدمات الطبية للذين يحتاجونها مهما كلف الأمر.            

 

"لقد كانت صدمةً لفريق العمل حين قلنا لهم بأنه لن يتم دفع أجورهم. في أول الأمر أضربوا عن العمل ولكننا استطعنا أن نهدِّئ الأمور بعد أن وعدناهم بدفع الرواتب. في أول شهرين لم يكن الأمر كارثياً لأن معظم الموظفين كان لديهم ما يتدبرون به أمورهم. ولكن مستشفى الكويت ليس مستشفىً خاصاً؛ وهو يقدم الرعاية للمرضى مجاناً، لذا فهو غير قادر على تمويل نفسه كما هو الحال في المؤسسات الأخرى. أي أنه ليست لدينا القدرة المالية لدفع الرواتب للعاملين لدينا. من ناحيةٍ أخرى فإن مستشفى الكويت هو مستشفى تعليمي وهناك الكثير من طلاب الجامعة الذين يأتون للعمل هنا كجزءٍ من دراستهم. هذه النقطة بالإضافة إلى الدعم الذي قدمته منظمة أطباء بلا حدود لبعض الأقسام هما السببان الأساسيان اللذان مكّنا المستشفى من تجنب مشكلة نقص العاملين.

 

بعد بضعة أشهر من توقفنا عن دفع الرواتب بدأ بعض العاملين لدينا بأخذ إجازاتٍ بلا راتب والعودة إلى قراهم. أما الآخرون فاستمروا بالعمل على أمل أن تُدفَع لهم أجورهم وخوفاً من أن يفقدوا وظائفهم. المحظوظون كانوا الأطباء الاستشاريين فقد تمكنوا من العثور على وظائف في المستشفيات الخاصة. ولكن العديدين منهم بقوا مخلصين لمستشفى الكويت وهم يخصصون جزءاً من وقتهم الخاص لتقديم خدماتهم للمواطنين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة".

 

يحاول د. الجنيد وفريقه العثور على حلولٍ لمساعدة العاملين في المستشفى ممن لم يعودوا قادرين على تدبير نفقات الإقامة أو المواصلات.

 

"قبل الحرب كان لدينا أكثر من 150 ممرض وممرضة من الهند ولكنهم عادوا إلى بلادهم. كانوا يقيمون في المستشفى فقمنا بإعطاء الغرف التي كانت مخصصة لهم لموظفينا اليمنيين. كما نقدم لهم وجبة طعامٍ بشكلٍ يومي لمساعدتهم في هذه الظروف الصعبة".

 

يبقى الوضع صعباً لأن مجرد الأمل والوعود لا تطعم خبزاً، ويعلم الدكتور الجنيد أنه لا يوجد إلا القليل من الحلول. لذا فحين اكتسحت اليمن جائحة الكوليرا رأى فيها الدكتور الجنيد فرصة إذ عيّنت منظمة أطباء بلا حدود في مركز معالجة الكوليرا الذي افتتحته في المستشفى عدداً من أفراد طاقم المستشفى كمناوبين منتظمين مما سمح لهم بتلقي الحوافز من المنظمة الطبية. لكن هذا الوضع سينتهي وسنعود من جديد للسؤال الكبير: ما الذي يمكن فعله غداً لإبقاء المستشفى العام الرئيسي في صنعاء مفتوحاً وقادراً على تقديم خدماته للمحتاجين؟