آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-07:45ص

أدب وثقافة


رصاص قاتل (قصة قصيرة)

الأحد - 15 أكتوبر 2017 - 07:19 م بتوقيت عدن

رصاص قاتل (قصة قصيرة)

بقلم: جعفر عاتق

في ليلة قمرية من ليالي صيف عدن الجميل وبينما كنت في طريقي عائدا إلى المنزل مارا بالقرب من منزل صديقي (أكرم) سمعت شخصين يتبادلان الحديث ونطق أحدهما اسمه متبوعا بعبارة (يرحمه الله).

توقف جسمي عن الحركة وتجمدت في مكاني عند سماع هذه الجملة وتبادرت إلى ذهني عشرات التساؤلات حول من يقصدانه، أهو (أكرم) صديق الدراسة ام تشابه للأسماء قد خلط الأوراق في ذهني.

أكمل الشخصان حديثهما وراحا يعددان مناقب الشهيد كما نعته أحدهما.

ذكرا فضائله وحسناته التي أعرفها واحدة واحدة واخذا يلعنان مطلقي الرصاص في الهواء دون داعي فهم من قتل (أكرم).

تداخلت الأشياء في رأسي وتذكرت ذكرياتي مع صديقي (أكرم) وكيف كان يحب الناس ويسعى لاسعاد غيره.

سمعت صوتا يحدثني من داخلي ويقول لماذا لا تذهب إليهما لتتأكد أيقصدان صديقك أم شخصا آخر.

وقبل ذهابي لسؤال الرجلان خطرت في بالي فكرة أخرى وهي الاتصال بصديقي الاخر (احمد) وهو يسكن في نفس المنطقة التي يسكن فيها (أكرم).

اخذت هاتفي وبدات ابحث عن رقم (أحمد) لأتصل به وفي تلك اللحظة رن هاتفي واذا ب(أحمد) يتصل بي..

تجمدت الدماء في عروقي وبت غير قادرا على الحركة ولا أستطيع الإجابة على الهاتف.. في ثواني معدودة تبادرت إلى ذهني عشرات الاسئلة.. ماذا يريد (أحمد)؟ هل سيخبرني بما حدث ل(أكرم)؟ بل يمكن أن يكذب الخبر ويحذرني من تصديقه؟ هل وهل وهل..

تمالكت نفسي وأجبت على الهاتف.. لثواني عديدة لم أسمع صوتا يتحدث ولم تكن لدي القدرة على المبادرة بالحديث.. وأخيرا سمعت صوت (أحمد) يتحدث وبادر بسؤال مبهم موجها لي.. أين أنت؟! أجبت بتلعثم وبفقرات متقطعة.. من.. انا.. موجود.. خير يا (أحمد).. تبعه بسؤال آخر.. لماذا لم تحضر الجنازة؟ عندها شعرت وكأن الزمن قد توقف ولم أعد أشعر بنفسي.. لقد أكد (أحمد) بسؤاله صحة الخبر..

أسودت الدنيا من حولي وبدأت أرى المباني تهتز.. سقط الهاتف من يدي ولم أشعر به.. بقيت لدقائق هكذا ثم أغمي علي..

لم أشعر بنفسي إلا وأنا في إحدى العيادات والطبيب حولي سألني كيف تشعر الآن؟ ماذا حصل لك؟ هل أنت جائع؟!

لم أستطع الإجابة وكانت الدموع تنهمر من عيناي.. جلس الطبيب بجانبي وأخذ يحدثني عن الحياة ومصاعبها وكيف نتغلب على الصعاب التي تعترضنا.. تمالكت نفسي وأجبت الطبيب بجملة واحدة (أكرم) مات..

عم المكان صمت رهيب وقفز أحد الرجلين اللذين كانا في الشارع يتحدثان وكان يقف خلف الدكتور وسألني هل تعرف (أكرم)؟!.. أجبت والدموع على وجنتي (نعم) فقد كان صديقي العزيز وزميلي في الدراسة وأخي الذي لم تلده أمي..

أخذ الرجل يصبرني ويشد من أزري مترحما على (أكرم) ومذكرا بأن الموت كلنا ذائقوه.. قاطعت حديث الرجل بسؤال ظل يدور في رأسي لدقائق كيف مات (أكرم)؟ ماذا حصل له؟!.. أجاب الرجل لقد أصابته رصاصة راجعة من السماء بينما كان جالسا بجانب منزله عصر اليوم..

(أكرم) مات بسبب أشخاص يرون سعادتهم بإطلاق الرصاص واستعراض رجولتهم، صاح الرجل الذي كان أحد جيران صديقي المرحوم..

واكمل الرجل حديثه والدموع تسيل على وجنتيه: مات (أكرم) ليحيي فينا الضمير ونشد على أيادي بعضنا لإيقاف عبث البلاطجة ومنع إطلاق الرصاص في السماء..

(أكرم) لم يكن الضحية الأولى للرصاص الراجع في عدن.. فهل سيكون الأخيرة؟!.