آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-08:35ص

ملفات وتحقيقات


(من يوميات ثورة الذئاب الحمر .. ثورة 14 أكتوبر) .. خليفة حسن عبدالله الخليفة وتفجير الطائرة البريطانية

الأحد - 15 أكتوبر 2017 - 06:05 م بتوقيت عدن

(من يوميات ثورة الذئاب الحمر .. ثورة 14 أكتوبر) .. خليفة حسن عبدالله الخليفة وتفجير الطائرة البريطانية

يكتبها : صلاح مسعد مسرور

ذات ليلة مظلمة،  قاتمة السواد من ليالي عدن الحزينة .. تجمع العشرات من فدائيو الجنوب الاحرار في أحد البيوت على ضوء السرج (الفوانيس المشتعلة بمادة الكيروسين )، يحدوهم أمل واحد وطموح مشترك وهو كيف يستطيعوا أن يمنعوا الطائرة البريطانية من السفر إلى لندن ومنع وزراء حكومة الاتحاد ومندوبهم السامي (تريفاسكس ) من حضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت به بريطانيا الوصول مع حكومة الاتحاد الى اتفاق يضمن المصالح الاستراتيجية لها في عدن.

 

تحلق الفدائيون في تلك الغرفة وصنعوا من أنفسهم حلقة كبيرة، كان الصمت والسكون سيد المكان، وكانت روائح الكيروسين تملئ الغرفة، بدد القائد صمت الاجتماع وبدأ بالكلام، وعلى ظلال أجسادهم المرتسمة على جدار الغرفة تناقشوا بصوت خافت وخططوا لكيفية الهجوم على الطائرة البريطانية، اعدوا الخطة بحماس ثوري وبعقلانية متقدمة وقلوبهم تنبض إرادة وقوه ونظراتهم تشع حماسا وحيوية كأنها نظرات صقر يهم بالانقضاض على احدى الفرائس...

انفض الاجتماع وخرجوا من البيت وتفرقوا بخطوات هادئة في شوارع وأزقة عدن على أمل باللقاء غدا في الموعد المحدد.

وفي اليوم التالي للاجتماع ومع شروق شمس العاشر من ديسمبر 1963م كان الجند البريطانيين منتشرين بكثرة في محيط المطار ومن كثرتهم يخيل إليك أن اليوم هو يوم النشور.

كانت الحراسة مشددة وكان التفتيش دقيق على كل العابرين بجانب المطار .. ومن فوق كانت ضوضاء وضجيج الطائرات يملئ سماء عدن رعبا وضجيجا.

إنه يوما غير عادي في حياة عدن وسكانها المسالمين.

ارتفعت الشمس قليلآ في سماء عدن ودقت الساعة التاسعة والنصف صباحآ نزل موكب المندوب السامي (تريفاسكس ) تحت حراسة مشددة من القصر الملكي البريطاني تصاحبه سيارات اللاند كروسر الفارهة التي يركب فيها الوزراء.

وصلوا المطار... دخلوا.

وهناك في المطار وقعت الواقعة.

بقلب شجاع، وبحماس ثوري، وبخطوات، متزنة سريعة، وجريئة، تسلل خليفة حسن عبدالله الخليفة الى مطار عدن الدولي واختبئ بين بعض الاشجار الصغيرة.. وهناك ومع أشعة الشمس القوية، الحارة، رأى خليفة الخليفة الموكب البريطاني يقترب رويدآ رويدآ من الطائرة وصوت صفير سيارات اللاند كروسر يزعج اذنيه.. بدأ العرق يتصبب من جبينه وبدأت اوتار قلبه المشدودة تخفق بشدة وتعزف انشودة العز والكرامة بداخله.

توقفت السيارات وترجل منها بعض الجنود البريطانيين ليشكلوا بأجسامهم من اليمين ومن اليسار سدآ منيعآ لحماية كبيرهم الذي علمهم السطو على ثروات وأراضي الآخرين..

ترجل المندوب السامي من سياراته وترجلوا الوزراء، عزف السلام الملكي البريطاني وبدأ الموكب على أقدامه يخطو راجلآ نحو صعود الطائرة.

وهناك في الخلف ومن وراء بعض الشجيرات الصغيرة كان خليفة الخليفة يجري بعض اللمسات الأخيرة لهجومه المباغت...

وبالغضب الجامح وبحركة سريعة فاقت سرعة الضوء والصوت نزع خليفة الخليفة امان القنبلة ورماها بكل قوة وبكل كراهية يكنها لعباد الصليب، صوب الطائرة وصوب الموكب.. استقرت القنبلة وسط الموكب... بم بم بم بببببببببم

صوت هائل وضخم يهز المطار ومدينة عدن.

انفجرت القنبلة...

وتطايرت أجساد البريطانيين في السماء وتحطمت الطائرة.

وتحول الكبرياء والخيلاء الى أجساد ممزقة واشلاء يلطخها الدم النجس.

سادت الفوضى المكان.. والدخان يعمي الأعين .. والأقدام تتصادم في الأقدام والرعب قذف سهامه في قلوب البريطانيين .. والكل يركض هاربآ بحثآ عن مكان يأويه من نيران القنبلة ودخانها وشظاياها. وتحولت القوة البريطانية المزهوة بخيلاء وكبرياء الى جنودآ مرتسم على وجوهها الرعب والخوف واعين مطبوع عليها الذعر والذل وبهذه العملية الفدائية النوعية التي راح ضحيتها نائب المندوب السامي ( جورج هندرسون ) وخمسة وثلاثون من وزراء حكومة الاتحاد وبعض من المسؤولين البريطانيين نقل الكفاح المسلح ضد المستخرب البريطاني من الريف الى المدينة.

 

وهناك من وراء خلف البحار في القارة الأوروبية وتحديدا في لندن عاصمة الامبراطورية البريطانية نكس العلم البريطاني ثلاثة أيام حدادا على أرواح ضحاياهم وبدأت شمس بريطانيا رويدا رويدا في الأفول.