آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

أدب وثقافة


لوحة السائح

السبت - 30 سبتمبر 2017 - 09:50 ص بتوقيت عدن

لوحة السائح

(عدن الغد) خاص :

بقلم /  محمد الخضر المحوري :

أصاب زوج الملك شره مخيف تجاه الذهب، وحلت لعنة غريبة ، استعصى حلها على كبار مستشاريه. همس أحد المستشارين لصاحبه في غيبة الملك قائلا:

لم يصبها ذاك المكروه إلا حين تلبستها روح شيطانية، لاتفتأ تطلب المزيد من الذهب، فكان عاقبتها أنه لم يعد باستطاعتها النوم  إلا بعد ملامسة ذهب جديد.

فرد صاحبه:

هذا جنون، جسدها سيتحول إلى ذرات رمال، لم يعد بمقدور الملك إنقاذها.

جلب الملك إلى بلاطه أجدر الأطباء، ورصد جوائز سنية لمن ينتشلها من مرضها، لكن دون جدوى، كان الذبال يحدق بقبضته على جسدها

ذات ليلة نام الملك على سريره الخشبي البهي، المصنوع من الأبنوس الفاخر، وعلى ظهره فراش وثير .... كل ذلك وأكثر . لم يجلب النعاس إلى أجفان زوجه الساكنة عن يمينه ... كانت . تتقلب كموبوء  والملك يداعب النعاس أجفانه ويجفل حين يحس بتململها البطيء، حاول جاهدا فخارت قواه أمام طوفان النوم الهادر، هنيهة وهب هاتفا بصوت جهوري تردد صداه المجلجل في القاعة:

أخيرا  وجدت الحل.

في الصباح استدعى رسامي المدينة  ورصد مكافأة سخية لمن تصيب ريشته جمال روحه وزوجه وابنه،  فانتثرت لوحات تصور جمال لا يضاهى، كانت اللوحات تصور الملك في أبهى حلة ،تخلع عليه رداء الحسن وتجود بمقدار لا يقل عنه على زوجه وابنه، لكن لم ينفع أي منها، بدأ الأرق أكثر شراسة من قبل، فنظر ناحية زوجه في استعطاف وقال :ـــ

كان حقا ما زارني في حلمي، لقد طرقني ثلاث ليال، وفي كل ليلة يهتف بي قائلا:ــ

لن تبرأ مما بها حتى يصور رسام مقتدر أرواحكم أنتم الثلاثة في لوحة عظيمة.

سكت ثم قال:ـــ

ستقع أيدينا على الحل بالتأكيد، ستقع... اصبري.

تقاطر الرسامون من كل حدب وصوب كقدر محتوم، وراحت فرشاتهم تخط بلا هوادة...... تناثر الطلاء وصبغ البقعة برداء غريب وتكومت اللوحات السليمة والهشة حتى ضارع مجموعها قصر الملك في علوه، مع ذلك...... كل المحاولات باءت بالفشل.

وذات صبيحة كئيبة، عرج بالبلاد سائح هزيل يتوسط وجهه أنف معقوف، هاله منظر اللوحات، وحين طرق مسامعه قيمة الجائزة ، نثر كنانته وعجم فرشاته فانتقى إحداها.. .... تربع الملك على كرسيه وعلى يمينه عظام متراكبة يغطيها جلد طيني  تشكل جسد يغرق في وهاد الذبال، وعلى شماله ابنه البدين المفلطح، لم يعر الملك الرسام اهتماما، وبالمقابل لم يبادله الرسام أي اهتمام وأقبل على لوحته. لم تكن بالكبيرة فهي بكل تأكيد لا تكفي لثلاثة أجساد. راح يخط ويرسم,... يضرب هنا وهنا .. حتى أتمها, حين لمحها الملك امتشق سيفه وهزه عاليا وهو يكيل السب للسائح النحيل.

كانت اللوحة  عبارة عن مخلوق مروع ذي ثلاث رؤوس .

حلق الملك بسيفه عاليا وكاد يهوي به على لوحة السائح، فزجره شخير مدو يكاد يمزق أسماعه، شدهه منبعه ..اضطرب كممسوس حين ألفى جسد زوجه النحيل الغارق في لجة عميقة من النوم المفاجئ، تأرجح حينها بين فرح غامر  وخجل مزرٍ ، فسأله الملك :ــ

من أنت؟

فرد السائح بثقة عارمة: 

أنا ساندرو بوتيتشيلي.

فسأله مرة أخرى :ــ

ما اسم  هذه اللوحة:ــ

فرد السائح بتهكم لاذع:ــ

جزء من خارطة الجحيم , ألم تسمع بها من قبل؟.