آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-06:51م

من هنا وهناك


الولع بالأجهزة الإلكترونية "يؤثر على راحتنا ليلا"

الأربعاء - 20 سبتمبر 2017 - 02:01 ص بتوقيت عدن

الولع بالأجهزة الإلكترونية "يؤثر على راحتنا ليلا"

عدن (عدن الغد) BBC Arabic:

ما هو آخر شيء فعلته قبل الاستغراق في النوم ليلة البارحة؟ ربما كنت تستخدم جهازا إلكترونيا؛ تقرأ رسائل البريد الإلكتروني، أو تتصفح الإنترنت، أو تتابع مواقع التواصل الاجتماعي.

أنت لست وحدك في ذلك، إذ تقدّر دراسة أجرتها مؤسسة النوم الوطنية الأميركية أن 48 في المئة من البالغين الأميركيين يستخدمون أجهزة، مثل أجهزة الكمبيوتر اللوحية أو المحمولة، في السرير، فيما تبين الدراسات في بلدان أخرى أن هذه الظاهرة أكثر انتشارا بين البالغين الأصغر سنا.

لكن الولع بأجهزتك الإلكترونية يلحق الضرر بنمط نومك: فهو يجعلك تسهر حتى وقت متأخر، وتستيقظ كثيرا خلال الليل. وقد أوضحت مزيد من الأبحاث أن استخدام التكنولوجيا ليلا يمكن أن يكون له تأثير ضار على القدرة على التعامل مع التوتر، وتقدير الذات، والصحة النفسية.

فدون قدر كاف من النوم، تصبح أقل إنتاجية في العمل، ويمكن أن يؤثر ذلك على صحتك على المدى الطويل، إلا أنه يبدو أن القليلين منا قادرون على مقاومة ذلك. فلماذا؟

النوم المتقطع

على عكس القراءة أو مشاهدة التلفزيون، تعد الأجهزة الإلكترونية الحديثة أجهزة تفاعلية. فهي تمكنك من الاتصال مع العالم الخارجي، حتى من غرفة نومك، وهي المكان الذي كان تاريخيا مكانا خاصا للاسترخاء ونسيان يوم مشحون بالحركة.

يقول ماثيو ووكر، أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس بجامعة كاليفورنيا، بيركلي: "إن هذه الأجهزة تسبب تأخير النوم". ويقول الخبراء إننا نحتاج إلى ما بين 30 دقيقة وساعة من التحضير قبل النوم، لإعطاء عقولنا فرصة للاسترخاء من ضغوط اليوم، وبالتالي فإن أشياء مثل قراءة كتاب أو تناول مشروب ساخن، أو ممارسة لعبة عقلية، تساعد على ذلك.

لكن، كما يقول ووكر، عندما نلتقط هواتفنا، فإننا نلغي عملية التحضير التي تحتاجها أدمغتنا من خلال تمديد اليوم إلى ساعات متأخرة من الليل، والتأثر بكل أنواع التوتر والقلق الناتجة عن تلك الأجهزة.

ويقول: "قد نشعر بالنعاس تماما، ويمكن أن نغفو بسهولة إذا انقطع التيار الكهربائي وتوقفت هواتفنا عن العمل. إلا أننا عندما نلتقط هذه الأجهزة، فإنها تسمح لنا بتأجيل النوم. وفي كثير من الأحيان، يذهب الناس إلى السرير، ويراسلهم أحد عبر موقع فيسبوك، أو يرسل لهم رسالة إلكترونية، وتمضي 20 أو 30 دقيقة دون أن يشعروا بذلك".

ويضيف قائلا: "إن إرسال رسالة نصية أو نشرها على فيسبوك، أو تفحص رسائلك الإلكترونية، يعني أنك في انتظار ردود، وذلك يحفز جهازك العصبي الحسي. ثم بمجرد وضع الجهاز إلى جانب السرير، إذا تركت هاتفك في وضع التشغيل، فإنك تتلقى كل أصوات الرنين والتنبيهات، وغيرها من الأصوات التي يمكن أن توقظك خلال الليل".

ويبدو أن هناك فرقا ملحوظا بين السهر حتى وقت متأخر مع كتاب جيد أو في مشاهدة التلفاز في السرير، وبين استخدام الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المختلفة.

فالطريقة التي نتعامل بها مع الأجهزة الإلكترونية تتيح لها استهلاك قدر أكبر بكثير من الساعات التي يجب أن نكون فيها نائمين، وفقا للباحثين.

وقد توصلت مراجعة بحثية لعشرين دراسة حول أنماط نوم الأطفال إلى أن الأطفال الذين يضعون الأجهزة المحمولة في غرفهم يكون نومهم أقل عمقا.

وعلى سبيل المثال، فإن الضوء الأزرق الذي ينبعث من العديد من الشاشات الإلكترونية يمكن له أن يغير عملية إطلاق الهرمون الذي يدعى الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يساعد على تنظيم النوم، وهو ما قد يفقدنا السيطرة على الساعة البيولوجية الداخلية للجسم.

"لا يمكن وضعها جانبا"

قضى بن كارتر، وهو أخصائي إحصاء حيوي في معهد الطب النفسي في كلية كينغز في لندن، السنوات القليلة الماضية في دراسة تأثير التكنولوجيا على النوم، وكشف عن وجود ارتباطات قوية بين استخدام الأجهزة الإلكترونية المحمولة في غرفة النوم وقلة النوم.

ويقول كارتر إننا سمحنا لأنفسنا بالمشي أثناء النوم، وصولا إلى "أوضاع نكون فيها في الفراش مع أجهزتنا التكنولوجية وهي تتحكم فينا، ولا شك في أنه قد يكون لها آثار بعيدة المدى على نوعية نومنا".

لكن بالنظر إلى الضرر الذي يمكن أن تحدثه هذه الأجهزة، فما الذي يمكن أن يحدث؟ يقول كارتر إنه يمكننا تشبيه سلوكنا مع تلك الأجهزة بسلوك التدخين.

ويقول: "إذا كان هناك أمر ما تفعله آخر شيء في الليل، وأول شيء في الصباح، فمن المرجح أنك مدمن".

ويقول كارتر: "تحدثت مؤخرا مع أستاذ متخصص في الإدمان، وقال لي إنه يستيقظ في الليل لتصفح الصحف الأميركية على هاتفه الذكي".

ويضيف كارتر: "أنا أيضا أعلم أنه لا ينبغي تفحص هاتفي قبل النوم، لا أريد فعل ذلك، لكن في الواقع من الصعب جدا التخلص من العادات السيئة'".

ويعتقد الخبراء في مجال النوم أنه يجب علينا - مثلما نحاول الإقلاع عن التدخين- أن نتعلم أن نمنع أنفسنا عن أجهزتنا الإلكترونية في الليل، وأن نشعر بالراحة من خلال تركها في غرفة أخرى.

وتوصلت مؤسسة النوم الوطنية في الولايات المتحدة إلى أن 20 في المئة من الأشخاص الذين شملهم استطلاع أجرته مؤخرا، توقظهم أجهزتهم أثناء الليل، وأن نصف هؤلاء يلتقطون تلك الأجهزة للتفاعل معها وهم في الفراش.

وقد أجرى كارتر مراجعة لعشرين دراسة حول تأثير التكنولوجيا على أنماط نوم الأطفال، وتوصل إلى أنه حتى أولئك الذين لا يستخدمون الهواتف أو أجهزة أخرى قبل النوم لكنها موجودة في غرفهم، ينامون بعمق أقل من أولئك الذين يتركون هواتفهم في غرفة أخرى.

يقول كارتر: "إن مجرد وجود الجهاز في غرف الأطفال يؤثر على جودة نومهم. فهؤلاء الأطفال لا يزالون مرتبطين معرفيا بأجهزتهم".

كذلك يقول ووكر: "إن مجرد وجود شيء يخلق شعورا بالقلق في غرفة نومك سيغير نوعية نومك في الواقع ".

فالقلق من حدوث شيء في اليوم التالي، مثل تقديم عرض مهم في العمل، أثبت أنه لا يبقي الناس مستيقظين في الليل وحسب، بل أيضا يقلل من فترة النوم العميق الذي يحصلون عليه عندما يغفون.

إدمان

تقول هيئة "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" في الولايات المتحدة إن 35 في المئة من البالغين الأميركيين لا ينامون بما فيه الكفاية، ويمثل هذا ارتفاعا بنسبة 29 في المئة مقارنة بما قبل عشر سنوات.

ولوضع هذا في إطاره، تقدر هذه الهيئة الأمريكية الآن أن 70 في المئة من البالغين الأميركيين ينامون أقل من ست ساعات في الليلة، وتقول إن هذا يؤدي إلى وباء يعاني فيه الناس من عدم القدرة على التركيز، أو تذكر أشياء معينة في العمل.

وتتسبب قلة النوم أيضا في زيادة مخاطر حوادث السيارات والحوادث الصناعية.

إضافة إلى ذلك، فقد تم ربط نقص النوم بمجموعة واسعة من المشاكل الصحية، من أمراض القلب، والبدانة، والسكري، والاكتئاب.

ويقول كولين إسبي، أستاذ طب النوم في جامعة أوكسفورد: "ربما يكون النوم أكبر مشكلة صحية عامة لم تعالج في عصرنا. فالنوم ضروري لمجموعة واسعة من الوظائف التي تخدم صحتنا ورفاهيتنا".

لكن من المستغرب أن يقول ووكر إن التكنولوجيا نفسها قد يكون لديها الجواب على كيفية تنظيم أوقات النوم ليلا.

وهناك بالفعل العديد من الأجهزة في السوق التي يقال إنها تراقب النوم وتساعد عليه. ويأمل ووكر في استخدام تكنولوجيا التعلم الآلي لإنتاج طرق جديدة للتدخل ومساعدة أولئك الذين لا ينامون كما ينبغي.

ويقول: "ينبغي أن يكون من الممكن إنتاج وصفة نوم دقيقة لكل شخص لتحسين نومه. ويمكن لهذا المنتج أن ينظر إلى جدول أعمالك لليوم التالي، ويقترح عليك مثلا أنه قد يكون من المفيد الاستعداد للنوم الآن كي تتمكن من الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم لأن لديك مكالمة مهمة في وقت مبكر في الصباح".

وبالمثل، يقول ووكر إن بإمكان الخوارزميات أيضا ضبط أوقات نومنا تدريجيا على مدى عدة أسابيع لمساعدتنا على الاستعداد للرحلات في الخارج، ومقاومة اضطراب الرحلات الجوية الطويلة.

ويضيف: "لا شك في أن أجهزتنا تعطل نومنا بشدة. لكنني أعتقد أيضا أنه يمكن للتكنولوجيا أن تكون كذلك وسيلة خلاص لنا من خلال مساعدتنا على تصحيح نومنا".