آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

أدب وثقافة


خاطرة .. طقوس نسائية

السبت - 19 أغسطس 2017 - 05:26 م بتوقيت عدن

خاطرة .. طقوس نسائية

(عدن الغد) خاص :

بقلم / رفيدة عبد الحفيظ

 

ليس في حوزتي قلم للكتابة، ولعل أقرب شيء مني الآن هو هاتفي، فلا أخفي عليكم أن بي من الكسل ما يصعب علي فك جدائل شعري، و أن ثمةَ شيءٍ عالقٍ في حنجرتي سبَّبَ لي حشرجةً في صوتي ليسَ لي رغبة حتى لأسعلها بصراحة!

 

عيناي تؤلمانني، من شدة ما ضيقتُ جفنيَّ رغبة تمييز الحروف، رغم أن نظارتي على الرفِّ في الغرفةِ المجاورة!

 

و ها أنا أقرعُ أبجدياتِ هاتفي بشدة، بعد أن صرختُ للتوِّ حينما دخلَ أخي الصغير غرفتي في مهمةٍ سرية ، و تركَ خلفَه البابَ مفتوحاً :-أغلق الباب بعدكَ يا أيُّها الــ..وهو بسم الله و ما شاء الله، كمن صُمَّ سمعه فجأة!

و أقسم أنني لو نهضتُ و أمسكتُ به لسكبتُ جُلَّ غضبي عليه.

ضَجِرة..وبي مللّ رهيب!

و لستُ أجد سلوتي في مكالمة صديقٍ عزيزٍ لدقائقٍ طويلة، أو الانعزال في غرفة للرسمِ فيها كالاخرين.. و ما عاد يسليني كالسابق أن أقف أمام المرآة، أسرح شعري، و أضعُ مساحيق

التجميل، فأكتحل و أختار الأحمر القاتم حمرةً لشفتيّ، و أنقش على ذقني حسنةً اصطناعية!

لأنني أعرف حتماً صيغة السؤال الذي سيغير ملامح وجهي رأساً على عقب، حينما يسألني الأهل بسخرية:

-الله الله.. لِمَ كل هذهِ الزينة؟ و إلى أين ذاهبة أنتِ اليوم؟

نحن النساء أدرى بطقوسنا، و دائماً ما ينتهي بنا مطاف الضجرِ عند البكاء، و إذا بكينا لا نريد أن نخضع ﻷسئلةٍ كثيرة، بقدر ما نريد أن نرى حدقتيّ من هو أمامنا مغرورقتين بالدمع لبكائنا الحزين، نريد من يشعرنا أنَّ بكاءنا هو شيء غير متقبّل ، و أن حزننا و ضعفنا هذا يعتبر كارثة، أن يوفر علينا الكلام الكثير دون أن نسهب الشرح، أن يتصرف !! كأن يواسينا وكأنه يعرف السبب وهو لا يعرف، كشخص خارق مثلا!

 

نحن اللواتي نضحك على من يبكي مع المسلسلات الهندية متى ما كنا في مزاجٍ عال، ونقيمُ ولائماً كبيرةً للأهلِ والأصدقاء بلا مناسبة، وقد نثرثر كثيرآ مع أشخاص لا نعرفهم كأولئك الذين يقفون خلفنا في طابور كاشير السوبر ماركت، أو حتى في حافلةِ نقلٍ عابرة..و إذاما ضقنا وانزعجنا ، نرى كلَّ المسلسلاتِ مأساوية حتى الإعلانات الدعائية تبدو لنا حزينةً بعض الشيء، فضلاً عن تطفلات الآخرين و أسئلتهم السخيفة :

-أبكيتي ؟

فنجيب : بالله ماذا ترى؟!

ثم نشيح بوجوهنا قائلاتٍ بصوتٍ منخفض : تباً !!

تجدنا نهرب من دعواتِ الأصدقاءِ وحفلاتِ الأقارب، و نختلق الأعذار، وسرعان ما نملُّ من الطوابيرِ المزدحمةِ والحافلاتِ الملئى، خصوصاً إن كان الذي بجوارنا شخصاً اجتماعياً؛ ليصبح شغلنا الشاغل أن نبحثَ عن طريقةٍ لنهدأَ ونكتمَ بها انزعاجنا دون أن نشعر بالوقت، كأن نحصي على-سبيل الضجر-عدد الثآليل في وجه من نحادثه !

 

لا أنكر أنني لفرط الضجرِ أحياناً أفكر في طريقة جديدة للبكاء . فالبكاء التقليدي و الغوص في حضنِ أحدِهم ما عاد يشفي .

و أفكر في أن أخذ نفساً عميقاً ، ثم أفتح النافذة وكذلك فمي على

مصراعيهما؛ لأنتحب بصوتٍ عال، وأعيدُ اجترارَ ذات اللحنِ الدراميِّ بصخب، حتى أتأكد بأنني أزعجتُ كل المارة، فلعلني بهذا أرتاح، وأن أستمر في البكاء حتى يستوقفني سؤال أخي الصغير :

-أمي ؟ لم أختي تبكي بهذه الطريقة ؟!

 

فتقلب أمي شفتيها بذهول، لأغلق أنا النافذة و أعود طبيعية ..

مجنونة أنا ؟ هه ربما ! ..ولكن قلمي لا يزال متمسكاً بعقله .. لا و بل في كامل قواه العقلية، هو فقط يكتبُ ما يملى عليه، ولهذا أبدو أحياناً من خلاله حالمة ،واعية ،متشائمة ،أو متضجرة ذات عقلٍ صغير .. إنني الآن أحاول أن أُلهيك و أجُرَّك بالحديث دون أن تشعر؛ حتى تنسى النهاية.. ففي الحقيقة .. بعد أن قمت بإغلاق الباب بنفسي قبل دقائق، فُتِحَ مجدداً ليدخلَ الصغير و يخرج

بسرعة البرق، تاركاً إياهُ مفتوحاً مرةً أخرى !!

 

ولقد اعتصرت مخي بمافيه الكفاية لأن آتي بخاتمة تحبذها ولكن لم أجد ..لم أجد سوى بضعَ كلماتٍ قابعة على سطح ذاكرتي قد غَشِيَها غبارٌ كثيف، و ثمةُ عباراتٍ جميلةٍ قد نسيتها الآن، ومفردات شتائم و.....و ما لا يليق !