آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-03:59م

ملفات وتحقيقات


عبدالعزيز المفلحي محافظ عدن الذي يدخل السياسة من باب الاقتصاد

الأحد - 13 أغسطس 2017 - 10:37 ص بتوقيت عدن

عبدالعزيز المفلحي محافظ عدن الذي يدخل السياسة من باب الاقتصاد

العرب - صالح البيضاني

خبير اقتصادي وسياسي عقلاني تولى قيادة العاصمة اليمنية المؤقتة عدن في ظرف يوصف بأنه شديد الحساسية، وفي أجواء من الصراع السياسي المستعر والتراجع الاقتصادي والفوضى الأمنية التي تعم اليمن.

يرى البعض أنه الرجل المناسب الذي تم تعيينه في الوقت المناسب نظرا لحجم التحديات التي قد تحول بينه وبين النهوض بمدينة عدن التي خرجت للتو من سعير حرب أشعلها الحوثيون عقب اجتياح المدينة في مارس 2015 والفرار منها بعد خمسة شهور تقريبا من المعارك في شوارعها والتي أتت على الكثير من مقومات البنية التحتية وخلفت دمارا هائلا شوه وجه المدينة الحضاري.

ولد عبدالعزيز عبدالحميد المفلحي في عام 1957 في منطقة خلّة في محافظة الضالع، والتابعة لمشيخة مكتب المفلحي أحد المكاتب القبلية العشرة ليافع التي ينحدر منها وعاد إلى القبيلة التي تتسنّم فيها أسرته الزعامة القبلية وهو طفل صغير ليمكث فيها حتى سن الخامسة قبل أن ينتقل إلى العاصمة عدن لدراسة المرحلتين الابتدائية والإعدادية.

غير أن الأجواء في عدن الماركسية آنذاك لم تكن لصالح الطفل في مناخ مشحون ضد ما كان يسمى ببقايا البرجوازية وأبناء المشايخ والسلاطين ورجال المال ما جعله ملاحقا من قبل النظام الاشتراكي في الجنوب، فغادر في تلك المرحلة إلى مدينة تعز في شمال اليمن حيث أكمل دراسته الثانوية.

 

قائد طلابي

 

في مدينة تعز التي كانت تفتح أيديها للفارين من ملاحقات النظام في الجنوب في ذلك الحين، انخرط الشاب المفلحي في العديد من الأنشطة الشبابية والثقافية والرياضية، ومنها على سبيل المثال تأسيسه للقيادة العامة للكشافة والمرشدات في محافظة تعز، والمساهمة في تأسيس جمعية الكشافة اليمنية، كما أقام في تلك المرحلة المبكّرة من حياته أول معسكر للتشجير في شمال اليمن.

واستمرت الروح القيادية تلاحق الشاب الحالم الذي انتقل لدراسة البكالوريوس في العاصمة المصرية القاهرة وإلى جانب التحاقه بجامعة القاهرة لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية زاول العديد من الأنشطة الطلابية، وتم انتخابه عضوا في الهيئة الإدارية لرابطة طلاب اليمن الموحدة التي كانت تضم طلاب اليمن شمالاً وجنوباً، وتم انتخابه في العام 1980 رئيسا للرابطة، حيث عرف بعمله الدؤوب على خدمة الطلاب اليمنيين في مصر.

وعن ذلك يروي وزير الثقافية اليمني الأسبق خالد الرويشان قصة أول لقاء جمعه بالمفلحي “كنا طلبة جُددا وغرباء على مصر في عام 1984 حين استقبلنا في مطار القاهرة شابٌ شديد الحيوية ذو ابتسامة مشرقة لن تنساها بعد ذلك أبدًا بسيارته الأنيقة الزرقاء أوصلنا لشقته، وكان الغداء جاهزًا. وخلال ساعات كان قد استأجر شُققا للطلبة القادمين الجدد بمنتهى الحرص والخوف على كل طالب وخلال أيام كان قد حلّ كثيرا من مشاكل قبول الطلبة في جامعتي القاهرة وعين شمس”.

المفلحي يعرفه اليمنيون جيدا ويعرفون رفضه الدائم لتولي أي منصب حكومي في زمن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أو حتى في بدايات عهد الرئيس عبد ربه منصور هادي

 

 

رجل اقتصاد وإدارة

 

أنهى المفلحي مشواره الدراسي في القاهرة وقرر تطبيق ما تعلمه في الاقتصاد وكانت السعودية في تلك الفترة تشهد حالة من الطفرة والنمو الاقتصادي، فقرر الانتقال إليها للعمل مع رجال الأعمال المنحدرين من أصول يمنية، وكان أول عمل يتولاه مديرا لقسم العملاء في إحدى وكالات شركات السيارات العالمية بدءا من العام 1985 وبشكل تصاعدي تدرّج في المناصب القيادية في الشركة حتى تولى إدارة أكبر فروعها في الرياض بين عامي 1987 و2003، ثم مساعدا لمدير عام الشركة بالمملكة العربية السعودية حتى العام 2008 حين قدم استقالته.

وخلال فترة عمله لم تنقطع علاقة المفلحي واهتماماته بتطوير مهاراته الاقتصادية والإدارية، حيث شارك في العديد من المؤتمرات الاقتصادية والعلمية في مختلف أنحاء العالم، وهو ما أهّله للحصول على العديد من الجوائز والعضويات الهامة حيث حاز على شهادة كواحد من أفضل الإداريين العالميين في دعم المشاريع الصغيرة في عام 1997 وجائزة “هو إز هو؟” بارون من ضمن أفضل 500 عقل في القرن الحادي والعشرين، وحصل كذلك على شهادة دولية كواحد من أفضل 500 شخصية اقتصادية في العالم وأفضل 500 شخصية مالية وإدارية في العالم، وتم اختياره من أهم 500 قيادي في العالم للقرن الـ21.

كما تم اختياره في عام 2011 مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من الشخصيات التي حققت إنجازات في مختلف القطاعات في حياتها.

واختير بين عامي 2002 و2005عضوا في المكتبة العالمية “بي دبليو دبليو”، وحاز كذلك على جائزة السلام العالمية في العام 2005 من المؤتمر الثقافي المتحد في الولايات المتحدة الأميركية. لم تكن ممارسة النشاط السياسي هاجسا ملحا لدى المفلحي خلال مسيرة حياته إلا بقدر ما تقتضيه الحاجة، فقد رأى أن معظم المشاكل التي يعاني منها اليمن ذات طابع اقتصادي واجتماعي في المقام الأول

وهو ما جعله يهتم بالاقتصاد والإدارة، مع الانخراط في العمل السياسي الملحّ الذي بدأه مبكرا من خلال التحاقه بصفوف الجبهة القومية مذ كان في سن السابعة حتى عام 1965، قبل أن يقرر الانضمام لجبهة التحرير والتنظيم الشعبي التي كانت في صراع وتنافس مستمر مع الجبهة القومية.

بعض وسائل الإعلام الإخوانية حاولت ابتسار وتوجيه بعض تصريحات المفلحي في اتجاه مغاير لخدمة أجندات سياسية معينة

 

السياسة بعين الاقتصاد

 

مغادرة المفلحي للجبهة القومية وذهابه لجبهة التحرير انتهت بانتصار الأولى وسيطرتها على مقاليد الأمور في جنوب اليمن عقب مغادرة بريطانيا عدن في العام 1967، وهو التاريخ الذي بدأت فيه مشاكل المفلحي وغيره من أبناء شيوخ القبائل والسلاطين مع الجناح اليساري في الجبهة القومية، الأمر الذي انتهى بفراره بحياته إلى شمال اليمن قبل أن يحكم عليه بالإعدام من قبل النظام الاشتراكي في العام 1974.

منذ السبعينات من القرن العشرين تفرّغ المفلحي للدراسة وتطوير خبراته الاقتصادية والقيادية، ولم يلتحق بأيّ تجمع سياسي، واقتصرت مشاركاته على إبداء الرأي، كرجل أعمال وشيخ قبلي يحظى بمكانة اجتماعية مهمة في مسقط رأسه، وفي هذا السياق تسجّل له بعض المواقف التي عبّر عنها بشكل محدود مثل موقفه من قيام الوحدة اليمنية في العام 1990 والتي نظر إليها من زاوية اقتصادية وفنية باعتبار الأسلوب الذي قامت عليه لم يكن ناضجا وكان نتيجة التقاء مصالح نظامين كان يصفهما بالقمعيين.

وقد ذهب البعض إلى أن رؤية المفلحي التشاؤمية للوحدة الاندماجية ظهرت بعد ذلك بأربع سنوات فقط من خلال حرب صيف 1994 التي نقلت موقف المفلحي من معارض لطريقة إعلان الوحدة وسلوك الطرفين الموقّعين عليها، إلى مناصرة القضية الجنوبية التي أخذت في التصاعد وأخذت منحى مغايرا في العام 2007 بعد الإعلان عن الحراك الجنوبي السلمي.

وبالرغم من تأييد المفلحي للحراك الجنوبي إلا أنه نأى بنفسه عن الانضمام لأيّ مكوّن أو تجمع سياسي في تلك الفترة الحرجة، كما رفض بالمقابل تولي أيّ منصب حكومي رسمي سواء في زمن الرئيس السابق علي عبدالله صالح أو في عهد الرئيس عبدربه منصور هادي.

الأجواء في عدن “الماركسية”، فترة نشأة المفلحي، لم تكن لصالح الطفل في مناخ مشحون ضد ما كان يسمى ببقايا البرجوازية، ما جعله ملاحقا من قبل النظام الاشتراكي

 

وفي مارس 2013 أعلن اسم المفلحي ضمن قوام أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل، فردّ من القاهرة بتصريح استغرب فيه الزج باسمه ضمن قائمة المشاركين في المؤتمر واعتبر من مقر إقامته في القاهرة أن “هدف حشر اسمه محاولة رخيصة لتشويه سمعته” واعتذر لاحقا في رسالة رسمية للرئيس عبدربه منصور هادي عن المشاركة في الحوار.

غير أن تحفظ المفلحي على المشاركة في الحياة السياسية لم يدم طويلا، فقد عاد للواجهة من خلال لقاءاته المتكررة بالرئيس عبدربه منصور هادي في الرياض في العام 2015 وهو الأمر الذي انتهى بتعيينه مستشاراً للرئيس اليمني في أكتوبر2015، وظل يعرف خلال تلك المرحلة بتصريحاته المتزنة ومواقفه غير الحدية تجاه القضايا والخصوم.

 

محافظا لعدن

 

كان الأسى يعتصر المفلحي وهو يشاهد المدينة التي احتضنت الجزء الأهم من فترة تكوينه الثقافي والمعرفي تمرّ بحالة من الصراع السياسي والانهيار الاقتصادي والخدمي. وربما كانت العلاقة الشخصية الحميمة بينه وبين عدن هي السبب الوحيد الذي دفعه للموافقة على تسلّم أول منصب رسمي له في ظل ظروف بالغة التعقيد وفي مرحلة شديدة الاستقطاب وهي الأمور التي ظل ينأى بنفسه عنها طول مسيرته السياسية.

وفي الـ27 من أبريل من العام 2017 صدر قرار الرئيس عبدربه منصور هادي بتعيين المفلحي محافظا لعدن، وهو الأمر الذي تقبله من خلال مغادره الرياض إلى العاصمة اليمنية المؤقتة والشروع في القيام بدور ما لتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي في المدينة المنهكة بالتوازي مع التأكيد المستمر عن متانة علاقته بالمحافظ السابق والقضية الجنوبية التي تجمعهما معا، وهو الأمر الذي ساهم في تقليص حدة التوتر وإفساح المجال للمفلحي لتطبيق خطته العاجلة التي تواجه بسيل من الإشاعات السياسية التي يتغاضى عن الرد عن معظمها ويردّ على الجزء القليل منها الذي يشعر أنه يمكن أن يسيء لعدن وليس له بشكل شخصي، ومن ذلك محاولة بعض وسائل الإعلام الإخوانية ابتسار وتوجيه بعض تصريحاته في اتجاه مغاير لخدمة أجندات سياسية معينة.