آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-09:21ص

أدب وثقافة


من أدب الرحلات : الحَلبُوب في يدي

الجمعة - 21 يوليه 2017 - 06:43 م بتوقيت عدن

من أدب الرحلات : الحَلبُوب في يدي

(عدن الغد) خاص :

في الوطح، القرية الهادئة المعلقة في قمة جبلية عالية تطل على وادي يهر من جهة الشمال وعلى وادي حمومة من جهة الجنوب، حتى ان البعض يتندر بأن أطفال الوطح حين يلعبون بكرة القدم يحرصون أن لا تقذف الكرة بعيداً حتى لا تتجه إلى أحد الواديين فيضطرون للجري ورائها في رحلة شاقة ومتعبة تفسد عيهم مواصلة لعب الكرة.

 

وقد كانت "الوطح" أو كما تُسمى قرية "خيران" محطة استراحة لنا أثناء توقفنا مع زملائنا من مركز عدن للدراسات والبحوث والتاريخية والنشر لشرب الشاي الأحمر اللذيذ- بشهادة زملائنا الحضارم- في سطح منزل د.أحمد صالح الوطحي قبل أن نتجه بمعيته كدليل لنا للإطلالة على بنوراما جميلة لوادي حمومة والتمتع بمنظر القارة من بُعد وهي تبدو كسفينة راسية وثابته وشامخة بين بحر من سلاسل الجبال العديدة. وفيما كان الدكتور الوطحي يقودنا إلى بلكونة منزله لنشاهد عشاً بُني من التراب في سقف البلكون لطائر الخطّاف، ويُطلق على هذا الصنف في يافع "طيور السيل" شاهدنا في أرضية المنزل ما يُطلق عليه في يافع "الحلبوب"، وفي حضرموت (جعم) كما قال زميل رحلتنا د.أحمد باطايع،  وقد أصاب الاندهاش زميلنا د.طه حسين هديل واستغرب وهو يرى "الحلبوب"  يدب في الأرض بلونه السود وشكله الاسطواني وأرجله العديدة ذات اللون الأحمر، وقال أنه يراه لأول مرة، وبالمثل مس الاندهاش د.محمد بن هاوي باوزير..

 

ولأننا كنا في طفولتنا نلعب بهذا الكائن ونمارس عليه التعذيب ونخاطبه بقولنا "اخرأ يا حلبوب والاّ قتلتك".. حتى أن ذلك القول أصبح مثلا شعبيا في يافع يُقال عند التضييق على الشخص أو تعجيزه، وأصله من لعبة الأطفال تلك مع دويبة الحلبوب التي تفرز مخروجها عند التضييق عليها أو تعذيبها حيث تلتف على نفسها متكورة حتى تلقي بمخروجها مُكرهة.

 

وقد امسكت بالحلبوب بيدي بلطف ورفعته ثم أخذت أقرَّبه من زميلي د.طه  لعله يمسك به أو يتمعن به عن قرب، ثم تحولت به أيضا إلى ناحية د.بن هاوي، لكنهما تخوفا من الاقتراب منه، ناهيك عن الإمساك به، بل وقاوم د.طه بشراسة وأبعد يدي بالقوة !!..بعد ذلك أطلقت للحلبوب حريته وسمحت له بالحركة والسير على طول ذراعي الأيمن، ثم أخليت سبيله بهدوء. وقد رصدت كاميرا زميلنا المصور هذه اللقطات وهما يبعدان يدي الممسكة به وعلامات الانبهار والدهشة والاعتراض على وجهيهما بادية بوضوح، فيما أبدو بابتسامتي كالفارس المنتصر في هذا الموقف !!!..

 

ولمعرفة المزيد فالحلبوب دويبة مستطيلة سوداء اللون, لها أرجل كثيرة قصيرة حمراء اللون, وليس لها عيون وتلتف بشكل حلزوني أثناء الراحة وعند الإحساس بالخطر. وللحلبوب مكانة في المأثور الشعبي كقولهم: "مثل الحلبوبي" أي كالأعمى البصيرة, لا يميز الصحيح من الخطأ. وقولهم: "نَدَم الحَلبُوب" أو: "ندُمْك ندم الحلبوب على عيونه", ويُروى أن الحلبوب عقد صفقة غير متكافئة مع الحنش تنازل له فيها عن عينيه مقابل الأرجل الكثيرة التي أخذها منه, وحين أدرك خطأه وتسرعه غير المدروس في هذه الصفقة الخاسرة ندم ندماً شديدا. وفي هذا المعنى يقول الشاعر المرحوم سالم علي المحبوش:

 

سالم علي قال يا الحلبوب لا بَلَّك * يوم الحنش خذ عيونك وانته أرجيله

 

ويقول القاضي أحمد علي حيدر البكري:

 

وعاد قول الحنش أعمى وكان أصْوَر * وحوَّل الله بالأعيان من حلبوب

 

 

*من علي صالح الخلاقي: