آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-11:55ص

ملفات وتحقيقات


وجوه مبتسمة في ساحات الحرية والتغيير

السبت - 04 يونيو 2011 - 11:21 م بتوقيت عدن

وجوه مبتسمة في ساحات الحرية والتغيير
شاب بساحة التغيير وقد وشم ساعده كاتبا عبارة يطالب فيها برحيل الرئيس اليمني -عدن الغد

صنعاء((عدن الغد )) خاص:

قبل أكثر شهر من كتابة هذا المقال , كنت في العاصمة صنعاء . جلست فيها خمسون يوما وأنا أتجول في ساحة الحرية والتغيير, حيث تنتصب فيها الكثير من الخيم, الكبيرة والصغيرة الحمراء والصفراء , تستقبلك يافطة كبيرة كتب فيها " أهلا بك في كيلو متر مربع حرية ".

 الشارع الرئيسي الذي كان يؤدي بي إلى الجامعة  والشوارع الفرعية مغلقة .. عند مدخل كل حارة يتم تفتيشنا من قبل شباب التغيير , الشارع من بدايته إلى نهايته مزدحم بالمارة . نساء ورجال وأطفال , يلتفتون إلى كاميرتي ويشيرون لي بالنصر , وأحيان يصرخون : ارحل.

احدهم وقف أمامي .. واخذ يصرخ بصوت عال يطالب صالح بالرحيل , تجمع حولي الكثير , الجميع اعتقد أني أصور لقناة تلفزيونية معارضة للنظام.

الكل هنا يبتسم للكاميرا.

يدرك الكثيرون أن الصورة وسيلة سهلة لإيصال الحقيقة.

 

وجوه شاخت تحلم باليمن الجديد

 

يصدح صوت النشيد الوطني في الساحة , فجأة وبشكل مذهل يقف الجميع احتراما لهذا النشيد.. هناك من يضع يده على قلبه ,, وآخر يرفع  العلم عاليا ,, وأب يحمل ابنه على كتفيه ,  وآخر يقوم بتحية عسكرية , الشارع يتوقف عن الحركة , بمجرد ينتهي صوت النشيد , يعود كل شي إلى طبيعته.

ساحة التحرير في صنعاء ليست مجرد ساحة  للغضب على النظام , أنها أيضا ساحة للتعارف , والفن والأدب , ساحة  للبيع والشراء , ساحة للطعام , وبيع الصور والميدليات.

يقف فتى في الثاني عشر من عمرة  أمام خيمة كبيرة لأحد القبائل, وأمامه كرتون فيه علب الماء , كان يلوح بعلبه عاليا ويصيح : ماء .. ماء.

نظر إلي وابتسم , وترك عيناه مصوبة نحو عدسة, وهذا المرة كان صوته أعلى .

توقفت أمام عربة صغيرة لبيع الشاي , لم يكن الشاي مصنوعا جيدا , لكن  البائع الشاب وجدها فرصة للكسب المالي , كان يضع على رأسه عصبة كتب فيها ارحل.

من حين إلى أخر يمر من أمامي  مجموعه رجال القبائل وهم يغنون بصوت عال متناغم .

" حتما سنموت .. فلماذا الخوف " هي عبارة كتبت في ذرع احد المصابين التقيت به ممدد في أرضية مسجد الجامعة .. قال لي وهو يشهر لي ذراعه : لماذا نخاف .. أذا الموت بآمر الله.

يحدثني صيدلي غاضبا ومجهدا في المستشفى الميداني, بان وزير الصحة قد أرسل لهم أدوية منتهية الصلاحية أو أدوية لمنع الحمل ... كان الصيدلي الشاب غاضب جدا.. أنهى حديثه معي قائلا: ماذا نفعل لأدوية منع الحمل!.

أوقفني شابا نحيل الجسد , علق على قميصه ورقة صغير كتب فيها " مسعف ".

 راح يحدق نحو عدسة كايمرتي , تحدث إلي بلكنة سريعة بأنه  أسعف الكثير من الشباب المعتصمين في ساحة التغيير, وان الرصاص الذي أطلق عليهم في أحداث يوم الجمعة الدامية كانت موجهة نحو الرأس و الرقبة .. بدأ صوت الفتى يضعف ويتهتك , كأن شريط الأحداث السابقة تمر امامه.. لعل سيبقى هذا المسعف يتذكر صور القتلة طوال حياته .

في زاوية من ساحة التغيير , يمسك ابن المدينة  احمد العسيري جيثاره , بينما يلتف حوله شباب القبائل وبصورة مدهشة كانوا يرددون خلفه أغنيته الظريفة :

أنا جالس جالس / حتى يسقط النظام / وإنا رايح جم الجامع حتى يسقط النظام / زبادي .. زبادي حتى يسقظ النظام / لحمه .. لحمه حتى يسقظ النظام.

 رغدة جمال صحافية جميلة .. وناشطة فيسبوكية (فيس بوك) .. تجدها في الموقع الاجتماعي مشاغبة جدا وساخرة جدا , لكن في حفل توقيع كتابها الأول كانت خجولة جدا, الخيمة الذي استضفت حفل التوقيع اكتظت بجميع فئات المجتمع في ساحة التغيير, تم تعريف رغدة جمال بأنها أول شاعرة يمنية تصدر ديوان شعر كتب باللغة الانجليزي , عنوانه

" lost in a fairy tale " .

 

رغدة جمال .. مشاغبة جدا خجولة جدا

 

خلف المنصة الرئيسة للساحة يجلس شاب معه فرشه ألوانه . ويصطف حوله مجموعه من الأطفال , يبدع الشاب في رسم الأعلام على وجوه الأطفال , ولا ينسي أبدا أن يكتب على اليد أو على الوجه الكلمة المشهورة " ارحل " .

يتقدم مني رجل في منتصف الأربعينات ويطلب مني أن أصور ذراعه , وشم الرجل جلده بالنار وكتب بخط عريض ارحل يا سفاح .  

يبتسم للكايمرا طفل جميل جالس على حافة الرصيف وقد لون وجهه بالعلم الوطني وكلمة ارحل أشار لي بعلامة النصر وهتف : " ارحل لكي اكبر وأعيش " .

ما يميز ساحة التغيير هنا في صنعاء الأطفال , تجدهم في كل مكان , زائرون مع عائلاتهم  أو هاربين منهم, أو معه أصدقائهم , أو لبيع الصحف وأشياء أخرى . 

تقول نبيلة الزبير وهي روائية يمنية مشهورة:" أن الساعات القادمة هي ساعات حاسمة , ساعة القرار في المغادرة, هذه هي الثورة الشعبية الذي ينبغي على الجميع أن يدعمها " .

احد الناشطات  بدأت أكثر حيره وقلق من المستقبل حيث راحت تتساءل : " ماذا بعد سقوط نظام صالح هل ستبقى لنا الكلمة ( تقصد الشباب ) هل سيكون لنا دور مشارك بعد التغيير أم سنجهض .

عدت  لعدن وهي مدينتي.. مدينة عدد سكانها اقل من العاصمة صنعاء و محافظة تعز.. لكن عدد ساحات التغيير فيها أكثر, تقريبا خمس أو أربع ساحات , كل ساحة لها أراء وتوجه معين , لكن الهدف هو واحد إسقاط صالح ونظامه . 

يصور المخرج الشاب عمرو جمال فيديو كليب أغنية قديمة لفنان عدني مشهور , مشكلة عمرو انه سريع الإحباط والقلق أو كما يقول "القلق الذي يدفعك إلى تحقيق شي جيد في المستقبل. خلال بداية التغيير في اليمن كان جمال من أوائل  الشباب في عدن يطالبون في التغيير , وكان نشاطه ملحوظ في الفيس بوك , استعار كاميراتي في تصوير بعض مشاهد الأغنية.. قال وهو يحضنها : " أن عدن .. هي الجنة ".

    الآن..

 صوت الرصاص والقذائف تدوي بصنعاء ..

بالتأكيد ليس هي الجنة التي يحلم بها اليمنيين .

 

 من ياسر عبدالباقي -كاتب وقاص يمني