آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-02:19ص

أدب وثقافة


نام يا صغيري-قصة قصيرة

الإثنين - 02 مايو 2011 - 11:39 ص بتوقيت عدن

نام يا صغيري-قصة قصيرة
شذى الخطيب قاصة شابة من عدن

جدة ((عدن الغد)) خاص:

نام يا صغيري -شذى الخطيب

خفق قلبها بشدة ، و هى جالسة في غرفة الانتظار .نظرت إلى ساعة يدها و من ثم  إلى ساعة الحائط ، فقد مضى على انتظارها ساعة كاملة ، حتى سمعت صوت يناديها . جفلت و نظرت إلى الممرضة و هي تشعر  بان قلبها سيخرج من أضلعها.  قامت من مجلسها ببطء، و كأنها تسحب جسدها ، و مدت يدها إليها فأخذت الظرف منها .

و اتجهت إلى عيادة الطبيب ، و هي تشعر بالدوار  فدخلت إلى الطبيب ، و كأنها تشعر بدنو حتفها . جلست في صمت و عيناها على الأرض   تفرك أصابعها بشدة . اخذ الطبيب منها الظرف و قام بفتحه ، و بعد برهة ، نظر إليها و تنهد و ثم قال: سيدتي
قالت : نعم
قال: سيدتي اعتذر منك التحاليل تبين  أن لديك مشكلة ما.
قالت و هي تشعر بان الطبيب تحول إلي قاضي يحاكمها : مشكلة ما ماذا تعني أيها الطبيب؟ 
تنفس الطبيب بعمق و أجابها بصوته الهادئ و هو  يحاول جاهدا إبعاد نظره عنها متأسفا : سيدتي اعتذر منك و لكن النتيجة تخبرني بان لديك  عقم لا يمكنك الإنجاب.

شعرت بالصدمة و كإن جدار السقف وقع على رأسها  ، أو كأن خنجر صوب إلى قلبها ،فأغمي عليها . هب الطبيب واقفا  لمساعدتها على النهوض و إفاقتها . شربت شربة من الماء  و فتحت عينيها ببطء و تسارعت نبضات قلبها . أرادت البكاء و لكن تصلب الدمع في مقلتيها .
قال الطبيب : سيدتي أنها ليست نهاية الدنيا هناك علاج و هناك حلول أخرى.
لم تنطق بشئ و هبت واقفة و قالت له : شكرا  لك .

خرجت من العيادة و الصمت يقتلها تريد البكاء فلا تستطع تريد الموت فلا يمكنها أن تنتحر . ماذا تصنع مع نفسها . مشت و هى تهذي .لماذا خلقت إذا هى عاقر ؟ لا يمكنها أنجاب طفل ، و  لماذا هى أنثى إذا؟ هي  لا تستطيع أن تحمل بطفل ، لماذا تزوجت إذا هى؟ لا تقدر على أن تكون أم !  لماذا و لماذا  ؟   كانت لا تعرف أين تسير أو إلى أين تتجه .

 وقفت على الرصيف لتعبر الشارع و كانت إشارة المرور تتغير ألوانها من الحمراء إلى الخضراء ، و من ثم  إلى الحمراء  فالخضراء ، و هى مازالت واقفة  لا تعي أبدا ما يجري حولها . مشت حتى شعرت بيد تمسكها و تصيح بوجهها هل أنت مجنونة تريدين قتل نفسك الإشارة حمراء و السيارات تعبر كالمجنونة . نظرت إلى الرجل الممسك بذراعها فنظرت إليه بذهول و نظرت إلى الشارع حتى توقفت السيارات عن العبور . و قال لها : سيدتي هل تحتاجين إلى مساعدة ، فقالت له و هى تهز برأسها : لا شكرا .

عبرت الشارع إلى بيتها. حتى وصلت إلى منزلها . فتحت الباب و أغلقته خلفها ، و وقفت لدقيقة ،  فدخلت إلى الصالة فوجدت زوجها جالسا ينظر لها بتعجب و قال لها:  أين كنت ؟
جلست بصمت و أجابت : كنت عند الطبيب

قال  بتعجب : الطبيب ! أي طبيب يبدو انك تعبه ماذا بك عزيزتي مال إليها و ضمها إليه بقوة و برقة في آن معا و قال لها : ماذا بك عزيزتي ؟
فبكت على صدره بحرقه حتى أنه أفزعه بكاؤها . فقال لها : حبيبتي هل أنت مريضة اخبريني أي طبيب كنت في زيارته . سحبت نفسها منه و أخذت حقيبتها و أخرجت الظرف منها و ناولته إياه ، فأخذه منها و قال لها: اخبرني ماذا بك؟

قالت بهدوء حزين : طلقني و من ثم أجهشت بالبكاء بحرقه  . صعق عند سماع كلامها ، و قال لها لا بد أن الأمر خطير . فتح الظرف و قرأ محتوياته. و قال لها أنا لا افهم شيئا اخبريني أنت ؟

فقامت  و هى تصرخ بوجه : طلقني أنا عقيمة لا يمكنني الإنجاب هل سمعتني أنا عقيمة ، و دخلت غرفتها و أغلقت بابها و تركته واقفا لا يعي شيئا و نظر إلى الورقة فكورها بيده ملقيا  بها على الأرض،  فجلس و أشعل سجارة  وراء سجارة ، فاخذ مفتاحه و خرج من البيت .
مضى على غيابه أكثر من ساعتين حتى عاد إلى البيت ، فدخل إلى غرفته و لم يجدها ، فبحث عنها حتى شعر بأنها تركت البيت.  اتصل عليها فوجد هاتفها النقال مغلقا ، فاتصل ببيت أهلها فردت أمها و أخبرته بأنها موجودة و لكنها في غرفتها لا تريد الحديث .

جلس يفكر كثيرا ماذا عليه فعله. نظر إلى التقرير الملقي  على الأرض أخذه ، و وضعه في محفظته و ذهب إلى النوم . استيقظ  باكرا و اعتذر عن الذهاب إلى العمل ، و ذهب إلى عيادة الطبيب و اخذ موعدا حتى دخل إليه فتحدث معه عن المشكلة
فقال له الطبيب: لماذا اليأس هناك علاج و لقد أخبرتها و لكنها لم تسألني أو حتى تسمعني
فقال:  مؤكدا أيها الطبيب أن هناك أملا في علاجها ؟
فقال : نعم إن شاء الله و  لكن كل ذلك بإرادة الله و  الصبر طيب .
قال : حسنا سأتحدث معها .

ذهب إلى بيت أهلها و بعد إلحاح منه و من والدتها استطاع أن يراها . لقد كان يحبها حبا شديدا فهي كل دنياه . منذ تعرف عليها في مكان عمله قبل سنتين إلى الآن و هو مازال يهيم بها . مضت سنة كاملة على زواجهما . انتظرت  أن تحمل و لكن بعد مرور عام بدأت تشعر  بالقلق على نفسها على الرغم  انه لم يفاتحها أبدا بموضوع الحمل، و لم يسألها يوما أن كانت حامل أم بعد. حتى انه لم يبن لها أي رغبة في ذلك  . لأنه كان يرى  بأن الأمر مازال مبكرا على التفكير  فيه  و البحث عن أسبابه ، كان يريد الاستمتاع معها ، و خاصة في السنة الأولى قبل الدخول في معركة الحمل و تربية الأولاد ، و لكن الأمر  عندها كان مختلف ، فمنذ أول ليلة معه كانت تريد أن تحمل كانت تشعر أنها تزوجت لتصبح أم و ليس زوجة فقط. صبرت شهر وراء شهر . و كانت تأمل في كل شهر أن تصبح حاملا و ما أن تأتي دورتها حتى يخيب ظنها ، مضت سنة كاملة و لم يظهر عليها ُأثر الحمل ، فقرر أن تزور الطبيب و أن لا تتأخر أبدا عن الفحص . فيكفي ما ضاع من الوقت .

و بعد مرور  أسبوع و بإلحاح من زوجها و والدتها. قررت أن تتعالج حتى مرت ستة أشهر من العلاج .حملت بتوأمين ،و مرت الأشهر  و كل شئ يسير على ما يرام حتى حانت ساعة الولادة . خرج المولد الأول بسلام ، و خرج الثاني بسلام  ، و لكن  الطبيب نظر إليه و قال للممرضة هامسا خذيه سريعا إلى الحضانة. تعجبت كثيرا لأنها لم  تتمكن أن ترى طفلها الثاني عند خروجه.

سالت الطبيب ماذا  حصل لابني هل هو مريض اخبرني هل به شيء ؟ لم ينطق الطبيب بشيء سوى انه قال لها خير إن شاء الله لا تقلقي. جاءها الطبيب إلى  غرفتها  و اخبرها بان طفلها الأول سليم لا شيء فيه و بصحة جيدة  ، أم الثاني فلقد حدثت له مشكلة أثناء ولادته لقد انقطع الأكسجين عن دماغه ما قد يتسبب له في إعاقة ما و لكن لا تقلقوا  أن شاء الله ربما تكون بسيطة .
بانت علامات القهر على وجهها متمنية و  أنها لم تعالج و أنها   لو ظلت عاقرا كان أفضل لها من هذا العذاب الذي ستلاقيه من رعاية طفل معوق. مضت خمسة أيام  حتى خرجت من المستشفى  تحمل طفليها . كانا يتشبهان بعضها البعض  بكل شيء و هما في سن الرضاعة حتى أنها لم تفرق من  منهما المريض و من منهما الصحيح . كانت تضعهما على فراشهما و تغني لهما  قبل أن يناما  .

نام يا صغيري نام
اشرب الحليب لكي تنام
نام يا  صغيري نام
لأخذك معي إلى السماء
مع الطيور و الحمام
نام يا صغيري نام
مع الملائكة الأخيار
نام يا  صغيري نام
لتكبر و تعيش في سلام
نام يا صغيري نام

مضت ثلاثة أشهر و بدأت تشعر بالفرق بينهما ، و بدأت تلاحظ على عصام نمو طبيعي مقارنة بأخيه عماد الذي  لا يشعر تقريبا بما يجري حوله. بدأت بالمقارنة بينهما . عصام  بدا يكبر و يتحرك و ينمو و يتكلم و بقى عماد على حاله. شعرت بالحزن و الفرح في أن معا . شعرت بالغضب و السخط . شعرت بالسعادة التي تناقضت مع شعورها بالحزن . لدرجة أنها لا تعلم هل تبكي أم تفرح . تبكي لأجل عماد أو تفرح لأجل عصام.

كان عصام يحبو بيديه و قدميه و كان عماد يحمل على كتفها أو على العربة التي تجره. كان عصام ياكل بيده و كان عماد يطعم بيدها . كان عصام يتحدث بلسانه، و كان عماد معتمد  عليها بترجمة مشاعره و أفكاره.  كبر عصام و مشي على ساقيه و كبر  عماد و مشي على عكازيه .  دخل عصام المدرسة و دخل عماد دار التربية الخاصة. كبر عصام و أصبح يلعب بالكرة في الشارع مع أصدقائه و كبر  عماد و أصبح يلعب الألوان و الأقلام و الأشكال و هو جالس على كرسيه المتحرك لا يفارق البيت إلا لمدرسته.  كبر الاثنان و كبرت معهما مشاكلهما ، فعصام بدا بالعناد و كلامه هو النافذ ، و عماد أصبح منطويا على نفسه فكبر جسمه و  ثقل همه .شعرت بالتعب من ولديها حتى شعرت بان جسدها بدا  ينهار . تذكرت يوم أن اخبرها الطبيب بأنها عقيم . عندها شعرت بان ليس كل يتمناه المرء و يسعى إليه بشدة يكون خيرا له . هذا هو عصام تزوج و رحل بعيدا و بقى عماد معها

نظرت إليه ذات يوم هو جالس  على كرسيه المتحرك فقامت و حضنته بشده و بكت بحرقه، و تذكرت الأوقات التي كانت تتضايق منه بمطالبه الكثيرة التي وجدت فيها صعوبة أحيانا كثيرة أن تقوم بها على أكمل وجه . كانت كثيرا ما تدخل غرفتها تبكي على حال ابنها و على حالها .. تذكرت كيف كانت تحمله لتحممه و تغير له ملابسه أو تغير له حفاظاته . كانت تشعر أحيانا بالخجل عندما ترى عورته. ، و لكن ماذا تصنع فهذا هو ابنها الذي حملت به و وضعته  و ربته ،فهى مسئولة عليه أمام الله . مضت سنة  و أكثر  ، و في  ذات يوم جلست تتأمله و هو نائم فتذكرت يوم ولادته.  يومها بكت كثيرا ، و كرهت نفسها عندما وضعته كانت تحاول أن تخفيه عن أعين الناس كانت تفتخر بعصام و تتباهى به ، و كانت تخفي عماد في البيت ، أو في غرفته أحيانا. كانت إذا ذهبت إلى مكان عام معهما ، تحاول أن لا تختلط بالناس لكي لا يروه ، و أن ذهب عصام فقط معها ، كانت تمزح معه و تداعبه أمام الناس . شعرت بالقهر لأنها لم تحبه كفاية على الرغم من انه كان يراها يده التي لا يمكنه أن يحركها و ساقه التي لا يمكنه أن يمشي بها ، و لسانه الذي ينطق به قامت و نامت بجانبه و بدأت  تغني له.

نام يا حبيبي نام
اشرب الحليب لكي تنام
نام يا حبيبي نام
لأخذك معي إلى السماء
مع الطيور و الحمام
نام يا صغيري نام
مع الملائكة الأخيار
نام يا حبيبي نام
لتكبر وتعيش في سلام
نام يا صغيري نام

فتح عينيه و نظر لها و قال لها بصوته الضعيف احبك يا أمي ، فضمته إليها بقوة و شعرت فجأة أن أنفاسه توقفت . أبعدته عنها و نادت عليه و هزته ، و لكن لم يستجب لها فصاحت بأعلى صوتها قائلة : عماد لا تتركني أنا احبك يا صغيري احبك أكثر من نفسي،  و بكت و هو في أحضانها و شعرت كم كانت قاسية جدا  معه و كم أهملته كثيرا ، و لكنه على الرغم من ذلك أحبها جدا و رأى فيها روحه المفقودة و جسده المشلول، و دنيته التي افتقدها.

جدة / السعودية