آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-03:58م

أخبار وتقارير


لماذا تبدو الولايات المتحدة "ضعيفة" عالميا؟

الأربعاء - 15 أغسطس 2012 - 01:46 م بتوقيت عدن

لماذا تبدو الولايات المتحدة "ضعيفة" عالميا؟
يري بريجينسكي أنه إذا لم تستعد الولايات المتحدة قوتها، لتساعد في حل وإدارة مشكلات المشتركات العالمية، فإن أي جهود في هذه القضايا لا تلبث أن تنهار. لذا، لابد أن تحدد الولايات المتحدة رؤية جيوسياسية متكاملة طويلة المدي، تتصدي لتحديات تغير التاريخ

مجلة السياسة الدولية

تكمن أهمية كتاب (رؤية استراتيجية: أمريكا وأزمة القوة العالمية ) كونه جاء كرد على ما تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية من تحديات، حيث أصبحت القوة العظمي الوحيدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ولكن هذا لم يدم طويلا لسياسات إدارة "جورج دبليو بوش"، وللأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة التي جعلتها -بل وأغلب الغرب- تعترف بتأثر أنظمتها وحساسيتها لمثل هذه المشكلات، هذا إلى جانب القوى الاقتصادية الصاعدة ونمو قدراتها الاقتصادية، نتيجة المزج بين سياسة التحرير الاقتصادي ورأسمالية الدولة، التي أدت لمزيد من الاختراعات التكنولوجية. أدي كل ذلك لزيادة الخوف والقلق من المستقبل، بما في ذلك القلق بشأن وضع الولايات المتحدة كقوة قائدة للعالم.

 

يحاول الكتاب الإجابة على أربعة تساؤلات، أولها: ما هي تطبيقات تحول القوى العالمية من الغرب إلى الشرق؟ ثانيها: لماذا يبدو المظهر الأمريكي بالضعيف عالميا؟ وكيف تنذر علامات ضعف الولايات المتحدة بالسوء محليا وعالميا؟ وكيف أضاعت الولايات المتحدة الفرصة الفريدة التي أتاحتها لها النهاية السلمية للحرب الباردة؟، ثالثها: ماذا ستكون النتائج الجيوسياسية، إذا ضعف وضع الولايات المتحدة الحالي بحلول عام  2025؟ ومن سيكون الضحية لهذا الضعف؟ وما تأثير ذلك في مشكلات القرن الحادي والعشرين؟ وهل تفترض الصين أن يكون للولايات المتحدة دور مركزي في شئون العالم عام 2025؟ رابعها: ما هي الأهداف الجيوسياسية بعيدة المدي التي يجب أن تتبناها الولايات المتحدة لكي تستعيد نشاطها؟ وكيف تستطيع، بمساعدة حلفائها التقليديين في أوروبا، أن تسعي لجذب تركيا وروسيا، لكي تبني غربا أوسع وأقوى؟ وكيف تستطيع أن تحقق التوازن في الشرق بين الحاجة لمزيد من التعاون مع الصين وبين واقع أن الدور الأمريكي يجب ألا ينحصر في التعامل مع الصين، وألا يسقط الولايات المتحدة في مستنقع الصراعات الآسيوية ؟.

 

وللإجابة على هذه التساؤلات، يؤكد الكاتب أن دور الولايات المتحدة سيظل ضروريا في السنوات القادمة. فقد بات من الضروري، مع استمرار التغير في توزيعات القوى العالمية، ألا تتقاعس الولايات المتحدة، ولكن الأفضل أن تتأني وتقوم بدراسة علاقتها بالشرق الجديد، استراتيجيا وثقافيا. وبذلك، تستطيع الولايات المتحدة أن تكون التوجه الجيوسياسي لعالم متطور في عالم تتحول فيه القوة من الغرب إلى الشرق ليصبح أكثر خطورة. مشيرا إلى أن العالم يحتاج إلى الولايات المتحدة ذات الاقتصاد الحيوي، والمظهر الاجتماعي الجذاب، والدولة المسئولة، والمتأنية استراتيجيا، والمحترمة دوليا، والمنبر الثقافي في تعاملها مع دول الشرق الجديد.

 

أهمية الاستقرار الجيوسياسي:

 

أصبح العالم متشابك العلاقات والأنشطة. وفي ظل ما يواجهه العالم من مشكلات تتحدي البقاء الإنساني، بدأت الصراعات الدولية تلقي بظلالها. وعلى الرغم من ذلك، لم تباشر القوى الدولية الأساسية دورها العالمي، بعد في التعاون والتكاتف من أجل مواجهة المشكلات الجديدة والمتزايدة التي تواجه البقاء الإنساني، مثل مشكلات البيئة من أزمات المياه، والتغير المناخي، والمشكلات الاجتماعية-الاقتصادية، ومشكلات الغذاء، والمشكلات الديموغرافية.

 

وسيؤدى عدم استقرار الأوضاع الجيوسياسية إلى أن تبوء أي جهود مبذولة للتعاون الدولي بالفشل، حيث يزيد تغير توزيع القوى عالميا من حدة واحتمالية تصعيد المشكلات المعاصرة. كما أن زيادة تأثير ودور الصين -إلى جانب ظهور قوى أخري كروسيا أو الهند أو البرازيل على سبيل المثال التي تتنافس فيما بينها على الموارد والأمن والمميزات الاقتصادية- سيزيد من احتمالية زيادة إساءة التقدير، أو زيادة الصراعات.

 

ولذا، يجب على الولايات المتحدة أن تسعي لتشكيل أساس جيوسياسي واسع للتعاون على الصعيد العالمي، كما يجب أن تعمل على توفيق واحتواء الطموح المتزايد من جانب السكان المتزايدين عالميا بشكل يثير القلق.

 

السقوط في الفخ:

 

يتشابه ما وقع فيه الاتحاد السوفيتي السابق، قبل سقوطه بسنوات قليلة، وبين ما تعاصره الولايات المتحدة، منذ بداية القرن الحادي والعشرين. حيث لم يستطع الاتحاد السوفيتي، بتوجهاته الشديدة الانغلاق، أن يقوم بمراجعة سياساته. كما أدي الالتزام في سباق التسلح العسكري بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة إلى ضعف الناتج القومي الإجمالي، ودفعه كذلك لغزو أفغانستان، مما أدي به إلى عدم القدرة على مواكبة المنافسة الأمريكية والتطور في سباق التسلح، مما اضطره للحد تدريجيا من تمويل القطاعات التكنولوجية، والذي بدوره أدي لتخلف هذه القطاعات. وفي النهاية، أدي ذلك لتعثر الاقتصاد وتدهور المستوي المعيشي مقارنة بالغرب.

 

ومع ذلك، لم تبال الطبقة الاشتراكية الحاكمة بزيادة الاختلافات والفوارق الاجتماعية، بينما كانت في الوقت ذاته تحاول تجميل نمط حياتها الزائف. وعلى صعيد العلاقات الخارجية، فقد أصبح الاتحاد السوفيتي منعزلا بشدة عن العالم الخارجي.

 

هذا التطابق وإن كان مبالغا فيه، فإنه يجب أن يعمل على دفع الولايات المتحدة إلى أن تعمل على تطوير نفسها، وأن تتوصل لرؤية جيوسياسية شاملة، وطويلة المدي، للاستجابة لأي تغير في وضعها الحالي. وتستطيع الولايات المتحدة مع أوروبا الموحدة أن تقوم بتعزيز وجود غرب قوى، يستطيع الحركة والعمل كفاعل وشريك مسئول في مواجهة الشرق الآخذ في الصعود.

 

ويشير بريجينسكي، على سبيل المثال، إلى أن عدم استمرار الولايات المتحدة في القيام بدورها في المشاركة في حماية أفغانستان دوليا، قد يتسبب في أن تتحول إلى مأوي للإرهاب العالمي مرة أخري. بينما يري أن تراجع القوة الأمريكية ومساعداتها قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، فقد تتحول باكستان إلى قوة نووية قائدة، أو ربما تصبح حكومة إسلامية معادية للغرب تماما كإيران. لذلك، يري بريجينسكي أن ولايات متحدة أمريكية ضعيفة قد تؤدي إلى زيادة مخاطر الانتشار النووي حول العالم. ويشير إلى فشل الرئيس أوباما في تفسير تراجع الدور الأمريكي في العالم.

 

يفتقد الكتاب للتحليل المفصل لسياسات أوباما حتي الآن، كما يفتقد لأي مناقشات حقيقية حول كيفية تعافي الولايات المتحدة أو استعادتها لمكانتها، وكيف يمكنها التغلب على تحدياتها الداخلية، وكيف يمكن لأزمة الدين الأوروبي الحالية أن تؤثر في الولايات المتحدة ومستقبل الغرب.

 

وأخيرا، يري بريجينسكي أنه إذا لم تستعد الولايات المتحدة قوتها، لتساعد في حل وإدارة مشكلات المشتركات العالمية، فإن أي جهود في هذه القضايا لا تلبث أن تنهار. لذا، لابد أن تحدد الولايات المتحدة رؤية جيوسياسية متكاملة طويلة المدي، تتصدي لتحديات تغير التاريخ. وقد حاول هذا الكتاب تقديم مخطط أو برنامج عمل استراتيجي لتوضيح هذه الرؤية.

 

*من زبيجينو بريجينسكي

مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق