آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-04:38ص

صفحات من تاريخ عدن


من ذاكرة عدن .. جنية العقبة

الثلاثاء - 29 مارس 2011 - 10:34 ص بتوقيت عدن

من ذاكرة عدن .. جنية العقبة
في الستينيات أنتشرت قصة

خاص / عدن الغد

كتب/ بلال غلام حسين

اليوم با احازيكم محزايه مشوقة وهي من المحازي المعروفة في عدن، كان عدم وجود الكهرباء في الثلاثينيات ومنتصف الأربعينيات كان عامل هام في صنع أساطير ومحازي الرعب، كان ضوء الفانوس واللمبه جاز ابو دوباله قد لعب دور هام في تصوير وتعميق هذا الخيال الرهيب, كانت جداتنا تطلق على الجن أو العفاريت اسم "الطاهوش".

 

كل عدني من أبناء الأربعينيات يعرف هذه الكلمة، وكانت هناك أماكن في عدن كنا نسمع عنها ويدب الرعب في قلوبنا، مثل زغطوط بالكسح – زغطوط - أي زقاق - زغطوط الحكمية، جزيرة العبيد، زغطوط باجنيد، وقلعة صيرة، ساحل فقم، بحر معجلين، العقبة، جلي أبو سبعه وسبعين، وكانوا يقولوا لنا إن البير التي في الخساف - هي "بير باهوت" .. باهوت هو جني عاصي من جان الملك سليمان هرب إلى عدن، وأسمه الحقيقي برهوت، ولهذا تسمع جداتنا بقولهم: يا باهوت.

 

هل هذا الموضوع حقيقة واقعة أو خيال عجايز عدن؟  من الصعب تفسير ذلك هناك بعض الحقيقة لسر لا أحد يعلمه، والكثير هو من المحازي والخيال الخصب على ضوء الفانوس واللمبة في ليل الصمت في تاريخ الإنسان، هناك قصة واقعية ولم أجد لها تفسير .

 

 في عام 1962 قرر الجنرال وليشاير كمشنر بوليس عدن البريطاني إلحاق أول مجموعة من الضباط الخريجين من الثانوية إلى قوة بوليس عدن البريطاني، كانت المجموعة مكونه من الملازم ثاني: محمد حسين باحبيب، نديم عبدالستار، عيديد أحمد شميله، عبدالله سالم الخضر، سعيد عذب، اسامه علي قاسم.  وصل الضباط إلى معسكر البوليس المسلح حيث تقع مدرسة تدريب ضبا ط البوليس، في معسكر البوليس المسلح, أرام بوليس بجانب المدرسة كانت توجد فيلا مكونه من دورين بنيت على الطراز الهندي القديم، وكانت من أكبر الفلل في المعسكر وفيها حديقة صغيرة. 

 في الدور الأرضي سكن بعض ضباط الصحف المرشحين لدورة الضباط، وفي الدور الأعلى سكن الضابط الذين ذكرت أسمائهم وكان من ضمنهم مؤرخ تاريخي من أبناء عدن يسرد قائلا:  

 

 يوم الأحد كان الجميع يذهب في عطلة .. العطلة كانت الأحد وتبقى الفيلا فارغة ينام فيها الطباخ وهو شخصية ظريفة أسمه عبده ويبقى ضابط في بناء المدرسة كضابط نوبة، صادف تلك الليلة كنت ضابط النوبة، كنت جالس في مكتب القائد أقرأ، كانت الساعة بعد منتصف الليل، جاء الطباخ  يحمل فراشه وهو ينتفض من الخوف والرعب، وقال لي لقد سمعت "شيء في المطبخ وفتح الماء والنور، وسمعت "شيء" أخد ماء من المطبخ. 

حينها كنت ضابط أبلغ من العمر 18 سنه, ولا أومن في الخرافات الخزعبلات، وذهبت معه إلى الفيلا ودخلت المطبخ ولكن مما أثار إنتباهي بشدة وجدت المواعين مبعثرة وكان النظام العسكري الصارم جدآ أن يكون المطبخ مرتبآ بدقة كل ليلة – مطبخ عسكري .. من بعثر المواعين !!، هذا الذي لم أستطيع أن أفهمه طوال السنيين حين أتذكر هذه القصة.

 

  وأمرت الطباخ النوم في عنبر الجنود. في الصباح أستدعيت العريف العبار مدربنا العسكري, سألته في هذا الأمر الغريب، ضحك وقال لي هذه القصة الغريبة عن الفيلا الغامضة الواقعة في معسكر البوليس المسلح في عدن.

 

قال لي العريف العبار قبل 12 سنه كان يسكن في هذا الفيلا ضابط هندي يعمل في البوليس المسلح، كانت له زوجة شابة جميلة جدآ، وفي أحد الليالي وهو ينظف مسدسه انطلقت رصاصة بالخطاء واستقرت في صدر زوجته الجميلة فماتت في الحال.  صُدم هذا الضابط صدمة شديدة ولم يستطع حتى العمل بعد ذلك الحادث الأليم فغادرعدن دون رجعه،بعده أعطيت الفيلا لعدد من ضباط عرب وإنجليز في البوليس المسلح، كان الجميع يهرب من الفيلا في رعب من شبح تلك الزوجة الهندية الجميلة التي تظهر و تسير في الفيلا ليلآ، وقد اضطر قائد البوليس المسلح في عدن - اللفتنانت كولونيل شيبرد أن يغلق الفيلا وبقت مهجورة برغم من فخامتها لم يسكنها أي ضابط عربي أو بريطاني طوال  15 سنه.

 

عام 1962 قرروا إعطائها لنا عند حضورنا الدورة التدريبية للضباط  كان فكرهم مستند على إننا مجموعة والفيلا ستكون دوما مكتظة بالسكان مما لايسمح لشبح تلك السيدة الهندية بالظهور ،كانت روحها تهيم في نفس المكان التي ماتت فيه، وطلب العريف العبار مني يمين ان لا أخبر أحد في هذه القصة في ذلك الوقت حتى لا تحدث بلبلة. أستدعيت في الصباح الطباخ وطلبت منه عدم ذكر القصة مطلقآ وأمرته في العطلة حين تكون الفيلا فارغة عليه أن ينام في عنبر الجنود مع الجنود, وكانت هذه الفيلا من أحسن الفلل في معسكر البوليس المسلح في عدن.

 

في الستينيات أنتشرت قصة "جنية العقبة" وأصبحت رعب في حياة السكان، قالوا إنها إمرأة جميلة جدآ تسير في طريق العقبة في ساعة متأخرة من الليل، وقيل إن جمالها طاغي ولكن لها سيقان حمار، كانت كل سيارة تعبر العقبة في الليل يشعر ركابها بالرعب، وبعضهم بالفضول يخرج رأسه من نافذة السيارة كي يرى جنية العقبة، وبعض من أصحاب الخيال الخصب يروي إنه شاهدها والبعض يقول لمحه، والأكثر جرأة يقول إنها لوحت له بيدها و يقسم يمين على ذلك.

 

 وقيل لي إن أحدهم سرح به الخيال بعيدآ جدآ حين قال إنه أخدها بسيارته وإنها أحبته وطلبت منه الرحيل معها إلى بيت أهلها في مدينة الجن تحت بحر حقات.  

لعب الخيال في تصوير تلك القصص وخاصة في الناس من جيل الثلاثينيات والأربعينيات الذي أستقر ذلك الخيال والهدوء في صمت الليل في عقولهم من القصص القديمة على ضوء الفانوس و اللمبة.  وإلى اللقاء مع محزاية عدنية أخرى .. من محازي عدن الجميلة.