آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-08:19م

ملفات وتحقيقات


أبين .. الجيش اليمني في مهمة صعبة !

الجمعة - 10 ديسمبر 2010 - 07:27 م بتوقيت عدن

أبين .. الجيش اليمني في مهمة صعبة !
جنود من الجيش اليمني على مداخل مدينة لودر التي شهدت اعنف المواجهات بين الجيش ومسلحي القاعدة ((خاص عدن الغد ))

لودر ((عدن الغد )) خاص:

 

كان الجو بارداً للغاية حينما انطلقت رحلتنا والطريق امتدت بشكل طويل ومتصاعد إلى أعلى قمة جبال متعددة ،وأضواء خافتة كانت تلمع في الأفق ولا دليل على وجود حياة مدنية هنا بهذه الأمكنة.


بداء منذ الوهلة الأولى ان الطريق إلى أبين صعبة للغاية ومليئة بالمخاطر والبرد والظلام الساعة جاوزت الثامنة ليلا والظلام يحيط بالطريق من كل جانب ،ضجيج خافت يأتي من محرك السيارة ذات الدفع الرباعي فيما ينشغل سائقها بمضغ أعواد القات بنهم شديد .


يتعاطى غالبية اليمنيين شجرة القات والتي تصنفها منظمة الصحة العالمية بأنها مادة مخدرة يمنع الاتجار بها إلا أنها في هذا البلد يتم الاتجار بها وتعاطيها بصفتها جزء من تقليد عام .


في الطريق إلى أبين حيث شهدت هذه المنطقة التي تصنفها الحكومة اليمنية بأنها احد أهم معاقل تنظيم القاعدة المتطرف إضافة إلى كونها معقلا للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال ، تنتشر عدد من النقاط العسكرية لجنود من الجيش اليمني الذين يوقفون السيارات غالبا ويطالعون في وجوه الركاب ببلاهة شديدة وأثار نوم عميقة تبدو على الغالبية منهم ثم مايلبث احدهم ان يشير لك بالتحرك دون السؤال عن أي شيء.


منذ أغسطس الماضي احتلت مدينة لودر المديرية النائية في هذه المحافظة واجهة الأحداث في وسائل الإعلام العربية والعالمية ، تسببت مواجهات عنيفة بين وحدات عسكرية من الجيش اليمني ومقاتلين مفترضين من تنظيم القاعدة في مقتل العشرات وفرار الآلاف من السكان المحليين عن مساكنهم .


لاحقا عززت الحكومة اليمنية من وجودها في المنطقة التي عانت تراخي شديد للقبضة الحكومية في فترات سابقة ساعدت الكثير من الجماعات المسلحة ان تفرض سطوتها على المنطقة ، كثير من السكان المحليين شكوا قيام هذه الجماعات بنهب المسافرين في أوقات كثيرة وعلى بعد أمتار قليلة من مواقع نقاط عسكرية غالبا مايرفض أفرادها التدخل.


في الطريق إلى لودر لاينسى  جندي من الجيش اليمني وهو يطالع في وجوهنا بعد الادراك بأننا غرباء عن المكان ان يوجه الينا شيء من النصح ، احذروا اللصوص والمتقطعين واحذروا  القاعدة لاحقا يضيف جندي أخر يقف إلى جانبه بينما هو ينفث دخان سيجارته  واحذروا البرد أيضا..


كمناطق كثيرة في جنوب اليمن تبدو مظاهر الكثير من القرى المنتشرة على طول الطريق إلى  لودر رثة للغاية ومحطمة فيما تتشابه الكثير منها لدرجة يخيل لك أنها بنسق واحد ، الناس هنا تبدو جافة وقاسية لكن بالحديث إليها  تجد فيها طبائع البدو الأصيلة.


صباحا كان علينا التجول بداخل المدينة وزيارة الأماكن الأخرى التي شهدت المواجهات بين الجيش اليمني وعناصر القاعدة ، في الطريق إلى لودر تلقينا تحذيرات تفيد بخطوة البقاء في المنطقة أكثر من 24 ساعة والتجول في كل المناطق بحذر شديد، كان علينا اخذ هذه التحذيرات على محمل الجد .


حينما طلعت الشمس كان الجو لايزال باردا للغاية في وسط المدينة التي شهدت المواجهات كانت هنالك حركة تجارية ضخمة قال لنا مسئول محلي بالمدينة ان المدينة تعتبر من أنشط المدن في جنوب اليمن تجاريا ، لكنه قال أنها أصيب بالركود مؤخرا جراء موجة العنف التي اجتاحتها والتي تسببت بإغلاقها إغلاقا تاما لمدة جاوزت الثلاثين يوما.


وبسؤال المسئول المحلي الكبير في المدينة الذي طلب عدم الكشف عن هويته والذي تحدث الينا مطولا عن صحة وجود تنظيم القاعدة في المنطقة أكد وجود التنظيم لكنه قال انه تلقى ضربات موجعة بعد المواجهات الأخيرة لذلك فهو في طريقه إلى الانحسار حاليا.


يتحدث الرجل بحسرة عن ماض المدينة السابق إلى ماقبل 15 عام كانت المدينة بعيدة عن كل أفكار التطرف التي نشرها الإسلاميون لاحقا بعيد حرب أهلية قصيرة شهدتها اليمن في العام 1994 ، قال الرجل ان المدينة كانت تشهد حركة مسرحية رائدة وعدد من محترفي الغناء والفن وان النقاب لم يكن منتشرا مثلما هو اليوم.


يشير بيده وهو يتجول بنا وسط المدينة التي اكتظت بالزائرين إلى محال علقت على واجهتها عبارات من  القران الكتاب المقدس لدى المسلمين فيما كانت مكبرات صوت معلقة على أعمدة إنارة ومنها يصدح صوت شخص يقرأ القران ، وفي شارع أخر كان محل سابق لبيع تسجيلات فنية موصد أبوابه واضطر مالكه لاحقا لتحويله إلى محل لبيع المكالمات.


هدد ملثمون إسلاميون مالك المحل بالقتل مالم يغلق متجره ، لقد سعى الإسلاميون بصورة حثيثة على تحويل المدينة إلى مدينة إسلامية.


يتهم المسئول المحلي الأصوليين الإسلاميين بنشر بذور التطرف الإسلامي في المنطقة ويؤكد بان على الحكومة اليمنية محاربتهم واقتلاعهم اقتلاع كامل ، كثيرون ممن التقيناهم أكدوا على ذلك لكنهم اتفقوا أيضا أنها مهمة عسيرة وصعبة .


غالبية السكان هنا في هذه المنطقة يحملون السلاح وحتى الأطفال منهم في وسط المدينة كان الحراك الجنوبي الذي قيل انه المسيطر الفعلي على المنطقة يومها ينظم  مسيرة احتجاجية على اعتقال احد زعماء الحركة الانفصالية في الجنوب .


على الكثير من جدران المدينة كتبت شعارات تمجد الحراك الجنوبي فيما رفعت سيارات كثيرة إعلام دولة الجنوب الذي كان دولة مستقلة حتى العام 1990 .


يجاهر الكثير من السكان هنا بولائهم للحراك الجنوبي لكن كثيرون أيضا يتهمونه بان تنظيم القاعدة استطاع استغلال خدمات مجانية قدمها له الحراك من خلال نجاحه في إرخاء قبضة الحكومة اليمنية على مناطق كثيرة في جنوب اليمن وهو مامكن التنظيم من السيطرة التمدد بعد ان ضمن أي غياب لسلطة الحكومة اليمنية .


يرى القيادي في الحركة الجنوبية الانفصالية في أبين عيدروس حقيس بان استقدام الحكومة اليمنية لوحدات من الجيش إلى المنطقة كان الهدف منه القضاء على الحركة الاحتجاجية في الجنوب التي قال أنها تصاعدت في الآونة الأخيرة.


التقيناه على أطراف المدينة برفقة عدد من الناشطين في الحركة الجنوبية في المنطقة كان الجميع يتمنطق السلاح كجزء من تقليد عام فيما كانت السيارة التي يستقلونها تحمل صورا للزعيم الجنوبي علي سالم البيض فيما يصدح مكبر صوت نصب على اعلي السيارة بأغنية وطنية  تمجد الحركة الجنوبية.


أشار حقيس بيده صوب معسكر لقوات الجيش اليمنية وقال:" انظر إلى كل هذه القوات ، الهدف هو محاربة الحراك الجنوبي وليست القاعدة هي الهدف.


على النقيض من ذلك تؤكد الحكومة اليمنية بأنها تسعى جاهدة لكي تقضي على التنظيم المتطرف ويتهم مسئولين فيها الحراك الجنوبي بتنسيق أعماله مع  تنظيم القاعدة .


على الطريق من عاصمة مديرية لودر وباتجاه مدينة العين إلى الجنوب من المدينة تنتشر عدد من الوحدات العسكرية التابعة للجيش اليمني بينها دبابات ومدافع وناقلات جند .


في عيون الجنود تلاحظ مزيجا من الترقب والتدقيق بوجوه كل المارين بالطريق رفضت القيادات في الجيش السماح لنا بالتصوير أو الحديث بشكل مطول عن مهامهم .


احد القيادات رفض الحديث عن مهامهم واكتفى بتعليق قصير عن أنهم قدموا لمحاربة القاعدة دون الإفصاح عن هويته .


إلى الشرق من مدينة العين وفي الطريق الواصلة إلى مدينة مودية ثاني كبرى المدن في المنطقة لاتزال أثار دماء وحريق تنتشر إلى جانب الطريق .


في الرابع عشر من أكتوبر من هذا العام وبينما كان الحراك الجنوبي ينظم تظاهرات جماهيرية في ذكرى خروج الاحتلال البريطاني قبل 46 عاما هاجم مسلحون قالت الحكومة اليمنية بأنهم من تنظيم القاعدة موكبا لمحافظ أبين السيد احمد الميسري وقتلوا شقيقه وعدد من الجنود .


أثار الهجوم حفيظة الحكومة اليمنية ودفعت بالكثير من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة لتتجدد الاشتباكات المسلحة لاحقا مسفرة عن سقوط عدد من القتلى والجرحى بين الجانبين.


احد السكان المحليين من أبناء قرية السلامية يحكي لنا ماحدث قائلا :" شاهدت عدد من المسلحين يتمركزون على إحدى التلال قبل نصف ساعة من الهجوم ، كان الأمر اعتياديا حيث دأبنا على مشاهدة الكثير منهم خلال الأشهر الماضية .


وأضاف:" لاحقا انتشر المسلحين على طرفي الطريق وكانت هنالك عدد من الأطقم العسكرية عددها اثنان في طريقها إلى مودية وفجأة فتح المسلحون النار على الطقم العسكري الأول الذي رد بعض الجنود منه على مصدر إطلاق النار ليفرون بعدها من الطقم الأول والثاني تاركين جثة احد زملائهم.


لقد شاهدتهم بأم عيني وهم يفرون فيما قام المسلحين بجر جثة احد الجنود القتلى وكان السائق واخذوا يركلونها بقسوة وهم يرددون هتافات إسلامية ثم القوا بها إلى جانب الطريق وأضرموا النيران في الأطقم العسكرية كلها وولوا هاربين.


تبدو مهمة الجيش اليمني في المنطقة بالغة الصعوبة فالكثير من السكان المحليين لايرحبون بأي تواجد عسكري في مناطقهم التي هي في الأساس مناطق تسير بالعرف القبلي وحتى ماقبل العام 1990 لم تنشر الحكومة في الجنوب آنذاك أي قوة في المنطقة وهو مايصعب فكرة تقبل السكان لوحدات عسكرية في المنطقة.


يفني جنود وحدة عسكرية تمركزت أعلى جبال يسمى" عكد"  جل وقتهم في بناء تحصينات عسكرية تحسبا لأي هجوم قد يشنه المسلحون فيما تقوم تركتور ضخمة بشق طريق إلى أعلى الجبل.


دبابات وعربات مصفحة وناقلات جند وأطقم عسكرية ومدافع ثقيلة هي حجم القوة العسكرية المتواجدة بالقرب من قرية السلامية .


طوال المهرجانات التي أقامها الحراك الجنوبي لاحقا وبعيد الاشتباكات التي شهدتها مدينة لودر  كرس هجوما واسعا النطاق على الحكومة اليمنية وجيشها مهددا في بيانات كثيرة له انه لايمكن ان يتغاضى طويلا عن وجود القوات العسكرية في المنطقة.


ورغم ذلك إلا ان كثيرين أيضا ابدوا ارتياحا واسعا لوجود قوات الجيش في المنطقة وقالوا ان وجودها يمكن ان يوقف تحول المنطقة إلى إمارة طالبنية  إلا أنهم قالوا ان الجيش يرتكب اخطأ فادحة عند قيامه بأعمال قصف عشوائية لمناطق مأهولة بالسكان.


غادرنا مساء إلى عدن وبينما كانت إطارات السيارة تصافح الإسفلت بقوة كانت أصوات انفجارات تأتي قادمة من اتجاه لودر ، ابلغنا لاحقا بان مسلحين نفذوا هجوما ضد مواقع الجيش في ضواحي لودر التفت السائق  نحوي وكشف عن ابتسامة باهته وقال :" لاشيء يتغير الجيش اليمني في مهمة صعبة .!

من فتحي بن لزرق

تنويه : التقرير اعلاه خاص بــ"عدن الغد" يمنع اعادة النشر دون ذكر المصدر كما ان الصور المرفقة صور خاصة: