آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:59ص

ملفات وتحقيقات


تحقيق : عدن تبحث عن الكفاف!

الأربعاء - 20 يونيو 2012 - 04:38 م بتوقيت عدن

تحقيق : عدن تبحث عن الكفاف!
A Yemeni refugee girl fills a container with water in a makeshift kitchen in the grounds of a public school in the port city of Aden on June 16, 2012

الجمهورية

اجتمعت حكومة الوفاق الوطني الأسبوع الماضي في عدن بعد أن تسابقت المعاناة على عاتق مواطني المدينة وانقضت عليهم تباعاً، بحيث لم تتح حتى فرصة واحدة لالتقاط أنفاسهم المنهكة.

 


قد تكون معاناة المواطن اليمني عموماً تتسم بـ (الواحدية) النابعة من المصير المشترك والوحدة الوطنية المتمثلة في المآسي المتشابهة والمتماثلة على امتداد الساحة اليمنية، بدءاً من اللااستقرار السياسي ومروراً بانعدام الخدمات العامة اللازمة لأي مواطن وليس انتهاءً بضبابية مستقبل غير واضح الملامح يتجنب الجميع الحديث عنه، غير أن معاناة أهالي عدن ذات أفق لا نهاية له.

 


ثالوث من نوع آخر

 


فالمآسي في عدن من نوع آخر، فثمة ثالوث ظهر هناك كان نتيجة حتمية للأحداث التي مرت بها البلاد خلال العام الماضي، فرغم حرارة صيف عدن ما زال المواطنون هناك يكابدون مآسي الكهرباء وانقطاعاتها المتكررة التي تصل في اليوم الواحد إلى ثلاث مرات في أحسن الأحوال، ظلام الكهرباء يوازيه انقطاعات مماثلة للمياه، تظل بسببه ضواحي المحافظة عطشى على مدى شهور وليس مجرد أيام، يأتي كل ذلك وسط تواصل الانفلات الأمني في مختلف مديريات المحافظة، وضع متدهور جعل من أصوات الرصاص في ليالي عدن أمراً طبيعياً ومألوفاً؛ نظراً للانتشار المفجع لظاهرة حمل السلاح بأيدي المراهقين والشباب.


ظلام الكهرباء

 


في آخر تصريحاته حول مشكلة الكهرباء اعترف محافظ محافظة عدن المهندس وحيد رشيد أن مشكلة الكهرباء كبيرة، مشيراً إلى أن المحافظة تعاني عجزاً يصل إلى 120 ميجاوات، زاد من أعباء ذلك العجز نزوح أكثر من 150 ألف نازح من أبين إلى عدن، بالإضافة إلى التزايد السكاني والتوسع العمراني الكبير الذي تشهده المحافظة.. مشكلة الكهرباء انعكست على الحالة المعيشية واليومية للمواطنين المرتبطة بكل ما يقوم به حتى في مرافق العمل العامة، كما انسحبت على المزاج العام للمجتمع في عدن، وشرع كثير من فئة الشباب في المحافظة بتنظيم الاحتجاجات والاعتصامات بسبب تذمرهم من وضع الكهرباء في ظل شدة الحر ووطأة الصيف.

 


مدير المحطة الكهربائية البخارية في الحسوة المهندس أصغر محمد حنيف أرجع الانقطاعات الكهربائية في المحافظة إلى خروج عدد من الغلايات في المحطة عن الخدمة وأعطالها المستمرة بسبب الضغط على الشبكة الكهربائية، وتكرار الإصلاحات من قبل الفرق الفنية والهندسية، بالإضافة إلى الاستهلاك الكبير الذي تعانيه الشبكة الحالية، غير أنه لم يشر إلى أسباب هذه المشاكل خاصةً في هذه الفترة تحديداً.. ربما تكون التوجيهات الأخيرة لحكومة الوفاق التي اجتمعت في عدن الأسبوع الماضي وقضت بتوفير 60 ميجاوات إضافية كحالة إسعافية فورية لمدينة عدن، الحل في تجاوز مشكلة الكهرباء إلا أن الأمر يبقى منوطاً بمدى تنفيذ تلك التوجيهات من قبل الأجهزة التنفيذية في الوزارة والمحطات الكهربائية في المدينة.


من أجل الماء


المياه هي الأخرى أخذت تؤرق أهالي المدينة الساحلية، فبعد أن كانت مدينة عدن مستقرة مائياً ويتم تلبية احتياجاتها من آبار داخل المحافظة والمحافظات المجاورة كلحج وأبين، بدأ التزايد السكاني الذي أشار إليه محافظ عدن بتقويض ذلك الاستقرار، الأمر الذي دفع بأهالي مناطق فقم ورأس عمران والخيسة في مديرية البريقة للخروج والاعتصام وإغلاق جسر البريقة الذي يربط المديرية بمديريات عدن الأخرى احتجاجاً على عطشهم الذي دام شهوراً دون حلول تذكر من قبل السلطات المحلية. مسئولو المياه ألقوا بمسئولية انقطاعات المورد المائي على كاهل الكهرباء وانقطاعاتها المتكررة، حيث تعمل مضخات المياه إلى الشبكة العامة لمولدات كهربائية تتعرض للتوقف باستمرار؛ نظراً لتشغيل مضخات المياه بنسبة 100 % على حد قول المحافظ الذي كشف عن أن هذا الضغط على المياه يفرض على مدينة عدن التفكير في مشروع لتحلية مياه البحر بعد سنوات إذا استمر الوضع على ما هو عليه.. مدير عام المؤسسة العامة للمياه بعدن سبق أن أطلق صرخة استغاثة وتحذير بسبب (قدم وتهالك) أنابيب شبكة المياه التي تربط المحافظة، مما يتسبب بين الفينة والأخرى بحوادث انقطاع كتلك التي وقعت في مديريات صيرة والتواهي والمعلا، بالإضافة إلى معلومات عن حاجة مضخات المياه إلى الكهرباء كي تعمل وتضخ المياه إلى مناطق المحافظة والمنازل، إلا أن الضعف في الكهرباء يتسبب في إيقاف تلك المضخات مما يؤدي إلى انقطاع المياه.


الشبكة المائية التي تربط مديريات ومناطق عدن يستفيد منها أكثر من 700 ألف نسمة في عدن يقعون ضحية تحت رحمة الشبكة المائية العتيقة المتهالكة، الشبكة التي أنشئت منذ عهد الاحتلال البريطاني لم تنشأ إلا لتوفير خدمات المياه لبضعة آلاف من ساكني عدن، ولم تدرك بريطانيا (العظمى) أن الشبكة التي أسستها منتصف القرن الماضي يمكن لها أن تعيش لأكثر من مائة عام، وأن ذلك العدد من الناس قارب المليون شخص يمكن أن يشرب من أنابيب تعدى عمرها القرن.. ليست وحدها الشبكة المتهالكة من تتسبب بانقطاع المياه عن المنازل في المحافظة الساحلية، التوسع العمراني هو الآخر يشكل عبئاً ثقيلاً على توزيع حصص المياه، مما أدى إلى عدم وصول ماء الشرب إلى منازل كانت منذ سنوات قليلة لا تعرف للعطش طريقاً..

 

 الخبير في الشئون البيئية علي عبدالسلام المقبلي يشير في عدة مقالات بيئية إلى ضرورة التجديد في الشبكة المائية لعدن، فمن غير المعقول أن تتعرض تلك الشبكات للصدأ وضغط الطلب المتزايد بفعل التزايد السكاني دون أي تطوير أو ترميم منذ أكثر من قرن، ويضيف المقبلي: بريطانيا التي بنت الشبكة إبان احتلالها لعدن كانت تعرف أن تلك الشبكة ستتعرض للتبديل والإحلال والتغيير في غضون 20 – 30 عاماً على الأكثر، ولم تكن تبني تلك الشبكة لتدوم مئات السنين كما نستخدمها نحن, وتنبأ الباحث والخبير المائي والبيئي بتكرار مشاكل انقطاعات المياه على مناطق وأحياء المحافظة؛ نظراً لكل الأسباب المذكورة.. ويأمل أبناء عدن في عدم تحقق تلك النبوءات خاصة في ظل توجيهات الحكومة الأخيرة بتوفير مولدات لضخ المياه، بالإضافة إلى حفر عشر آبار للمياه بشكل قانوني لتعزيز إمدادات المدينة من المياه.


الأمن أولاً


فيما الوضع الخدماتي للكهرباء والمياه متدهور يسيطر على الوضع الأمني في عدن مراهقون أخذوا في تحويل المدينة إلى ما يشبه وكراً لترويج المخدرات وانتشارها بين أوساط الأطفال قبل الشباب، بالإضافة إلى ترويع الآمنين وفرض إتاوات على أصحاب المحلات والمتاجر وحتى بائعي القات, وتجلت تلك المظاهر بوضوح في قطع الشوارع العامة والرئيسية في غير مديرية، تحت مبرر الاحتجاجات ضد النظام السابق، غير أن النظام سقط ولم يسقط المسلحون المغلقون للشوارع العامة ويضربون مصالح الآخرين بعرض الحائط.. وضع أمني تفاقمه هجرة مراكز الشرطة وافتقارها للجنود ورجال الأمن، بالإضافة إلى شحة الأسلحة بحسب تصريحات مدير أمن المحافظة، الأمر الذي ترك مدينة عدن للشباب المسلحين يجولون فيها ويتنقلون فارضين هيبة من نوع آخر، هيبة أبطالها مراهقون يتعاطون المخدرات، في الوقت الذي يؤكد قادة محليون ضرورة استتباب الأمن أولاً وفرض هيبة الدولة وتثبيت الاستقرار، والذي بدروه سيعمل على توفير الخدمات العامة.


عرض الوضع مركزياً


تلك الأوضاع الخدمية والأمنية في عدن دفعت بقيادة المحافظة للمشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء لاستعراض معاناة المواطنين في عدن على المجلس الذي تفهم الحالة الاستثنائية التي تعيشها المحافظة والإشكاليات التي تواجه سير العمل في مشاريع البنية التحتية المتردية في ظل الاختلالات الأمنية بحسب تصريحات صحفية لمحافظ عدن.. تفهم حكومة الوفاق للوضع المأساوي في عدن ظهر جلياً في التوجيهات القاضية بتشكيل لجنة وزارية طارئة من وزراء الكهرباء والمياه والداخلية، بالإضافة إلى وزيري المالية والتخطيط والتعاون الدولي لتذليل الصعوبات ووضع آليات عملية لمعالجة مشكلات الخدمات العامة والعمل على تحسين البنية التحتية، ويظل الأمل معلقاً على مدى تنفيذ توجيهات الحكومة في هذه الجوانب، والعمل على انتشال عدن من شحة الخدمات ومن مستنقع غياب الأمن.


أولوية عدن


لا تحتاج عدن سوى لمزيد من الاهتمام والأولوية وتوفير الكفاف من الخدمات اللازمة، وقطع الطريق أمام من يحاول استغلال المعاناة والوضع المتردي من ضعاف النفوس والمتربصين بالوطن وأمنه واستقراره، الذين يستثمرون انعدام الخدمات الضرورية العامة في أهداف سياسية بغيضة، معتمدين على استفزاز مشاعر المواطنين وحاجتهم للخدمات العامة وتوجيه تلك الحاجة ضد الوطن وبما يخدم أجنداتهم السياسية الضيقة.. ربما يكون اجتماع الحكومة في عدن الأسبوع الماضي خير تأكيد على الاهتمام الذي يجب أن تحظى به عدن باستمرار.

 * من بديع سلطان