آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-08:22م

صفحات من تاريخ عدن


عدن زمان: بخور "فك و فكيك" .. والحجة فطوم

الأحد - 05 أكتوبر 2014 - 10:25 م بتوقيت عدن

عدن زمان:  بخور "فك و فكيك" .. والحجة فطوم
نساء في الشيخ عثمان بعدن زمان .

عدن((عدن الغد))خاص:

 


بدأت بوادر الربيع تطل من ضفة نهر النيل وفي المساء تهب النسمات الباردة تنعش القلب والروح والشارع المصري يضج بالناس من جميع الأعمار يسيروا نحو هدف وأنا وحدي اسير بدون هدف .. قضيت في المنفى 42 سنة - اسير مرة في شوارع اسكندنافيا التي تكسوها الثلوج في شمال الدنيا ومرة اخرى في شوارع صحراء الجزيرة العربية وشواطئ الخليج وأخرى في الشام - شوارع يكسوها الياسمين المتساقط من البيوت على جانب الطريق، وما زلت اسير يشدني الحنين إلى الرجوع لبلد الياسمين وجبل قاسيون حيث البيوت تعانق النجوم وتنظر بحنان الى دمشق ريحانة العرب بلد نزار قباني وكوليت خوري وغادة السمان والأديب محمد قجة وجارتي المثقفة الشقراء مدام جانيت، وتغمرني السعادة حين سماعي لعب الأطفال سعيد وجورج ومحمد وسهى وفاطمة ومجد وليندا وهم يلعبون امام عريشة العنب التي تحتضن غرفتي التي تظللها شجرة الياسمين. اطفال أبرياء يلعبون دون تعصب لدين او عرق او لون .. أمة عربية عظيمة ذات رسالة خالدة .. بلاد سار على ترابها ألف نبي. أسير بدون هدى تنعش خاطري الذكرى والحنين إلى بردى. القاهرة لا تتوقف فيها الحركة ليلآ أو نهار والضجيج حولي في ايقاع رتيب.

 


يا حجة فطوم اثار إنتباهي رائحة جميلة تنعش النفس من دكان عطار تعطر الشارع إنها رائحة الشرق .. شرق العطر والخور والبهارات الثمينة، دخلت إلى المحل أنظر إلى كثير من شوالات البهارات والبخور والعطور العربية المميزة. قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري و با اجيب لك مطبق ولوب وشاهي عدني ملبن وبعدين حازيني عن البخور والعطور. قلت لها أثار إنتباهي جونيه فيها أعشاب ملونة ولها رائحة عطرية نفاذة ، وفوق الشوال لوحة صغيرة كتب عليها بخور *فك و فكيك* ، ضحكت من اعماق نفسي وقلت أكيد هذا بخور لفك السحر والعين، سألت البائعة لتأكد فكان جوابها ضاحكة على الطريقة المصرية المحببة : هل أنت مسحور ، أجبتها بالمناجمه العدنية الظريفة ساحر ومسحور في آن واحد. قالت وهي تمرر يدها فوق رأسها وتقول دستور يا أسيادي دستور. تركت الحجة فطوم قصبة المداعة وتفلت يمينآ وشمالآ وقالت على الطريقة العدنية : تفوه تفوه إبليس - يا باهوت.. حياطه حياطه.

 


ما هي اسطورة باهوت في عدن ؟ سمعنا قديمآ من جداتنا إن باهوت هو من جن النبي سليمان وخرج عن طاعته فنفاه إلى عدن وأدخله في بئر في منطقة الخساف في عدن وسجنه في تابوت من الحديد، وإسمه الحقيقي برهوت. فزعت الحجة فطوم وقالت ضاحكة بخوف لا تباود بي ولكن كمل المحزاية. قلت لها السحر كان منذ القدم وعرفته كل الشعوب، وقد وجد علماء الآثار في الكهوف القديمة صور مخيفة تمثل الشيطان وخوف الإنسان البدائي القديم من الأرواح الشريرة. وحتى في أوروبا اليوم وبالرغم من الحضارة وعصر التكنولوجيا ما زال بعضهم يؤمن بذلك . كانت في الحكاية الشعبية الألمانية مسرحية Faust التي كتبها الفيلسوف جوته عن فاوست الساحر والكيمائي الدكتور جوهان جورج فاوست الذي قام بعقد مع الشيطان ليمنحه السعادة السرية. وفي نفس المنوال كتبت أعمال أدبية كثيرة من أوسكار وايلد ، كلايف باركر ، توماس مان، كريستوفر مارلو، أريغو بويتو، فيكتور بيرليوز، ومن الكتاب العرب الأديب الحضرمي الكبير علي أحمد باكثير كان يقيم في مصر وكتب *فاوست الجديد* ، والأديب كريم الصياد في كتابه *منهج تربوي لفاوست*.

 

منذ القدم وهذا الموضوع الإنساني شاغل الناس ما بين مكذب ومصدق بالرغم إن كل الكتب السماوية والمعتقدات الأرضية من فلاسفة وشعراء قد أشاروا إلى ذلك بكل وضوح ، وبالرغم من تقدم العلوم فما زال هذا الموضوع لغز محير العقول. قالت الحجة فطوم كان طائفة البانيان في عدن تستعمل كثير من نبات * الحلتيت * في بيوتهم ورائحة بيوتهم حلتيت لطرد الأرواح الشريرة. قلت لها نعم وقد رأيت في دبي كثير من المقاهي في الفنادق التي يملكها ويديرها الهنود البانيان يعملوا الحلتيت فوق مدخل المقهى لطرد الشيطان ، وكثير من الأفلام الهندية والغربية تؤكد وجود العفاريت والجن. عملت في مركز شرطة البريقة ، وفي أحد الليالي ونحن نقوم بالدورية في سيارة الشرطة أخبرني العريف الفروي وله خدمة طويلة في الشرطة ، قال لي عند إفتتاح المصافي كان كثير من سكان البيوت القريبة من الجبال يسمعوا في منتصف الليل أصوات غريبة ورمي بالحجارة على البيوت.

 

إن الشرطة لم تصدق الأمر في البداية إلا حين نام العريف الفروي في أحد البيوت وسمع الأصوات تقول: *أخرجوا .. أخرجوا من مكاننا*. لم تجد شركة المصافي حل لذلك إلا حين أخبرهم صياد من أبناء المنطقة بتسليط أضواء كاشفة قوية على الجبال – بعدها أنتهى الأمر وغادر الجن الجبال.يا حجة فطوم حين تواجدي في السعودية أقيم مشروع لبناء بيوت فخمة في طريق جدة - مكة المكرمة، وسكنها الناس ثم هربوا منها ، ملاك البيوت أنزلوا إيجارات البيوت إلى الربع وقام صديق شخصي من عدن باستئجار احد البيوت بإيجار رخيص جدآ ، ولكن بعد أسبوع غادر البيت هاربآ. سألته لماذا ترك البيت، قال لي بخوف على شرط لا تسألني هذا السؤال مرة أخرى - قال بخوف شديد : في إحدى الليالي رأيت في البيت العجب المخيف.


قالت الحجة فطوم برعب بعد أن بصقت يمين وشمال : تفوه تفوه إبليس - يا باهوت لا تخرج من التابوت.

 


محمد أحمد البيضاني

كاتب عدني ومؤرخ سياسي - القاهرة