آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-10:42م

صفحات من تاريخ عدن


ذكريات فيلم SUMMER PLACE في سينما شهيناز بعدن

الإثنين - 08 سبتمبر 2014 - 11:46 م بتوقيت عدن

ذكريات فيلم SUMMER PLACE  في سينما شهيناز بعدن
سينما شهيناز بعدن .

عدن((عدن الغد))خاص:

 

ما أجمل الذكريات في حياة الإنسان وتختلف مدى وعمق الذكريات من إنسان إلى آخر، البعض يتواجد في هذه الحياة ويعيش كمتفرج .. لا يشارك فيها ولا ينزل إلى معترك الحياة ويفضل جانب الإستكانة والسلامة ، والبعض يغوص في أعماقها يعيش مع الناس يبكي من قسوتهم ولا ينسى حبهم وفائهم .. يصهره الجوع ويصاب بالنقرس من الشبع . الحياة ليس رحلة في زورق أحلام ، إنها ركوب الخطر والصعاب ومن هنا نتعلم فلسفة الحياة ونذوق حلاوتها ومرارتها . ومن لم يعانقه شوق الحياة – تبخر في جوها وأندثر . من أين جاءت إلى البشرية كل هذه التجارب والحكمة ، جاءت من الإبحار إلى شواطئ مغامرة العقل والجسد نحو دنيا المجهول. أستغرب من شاعر ينام الساعة 10 مساء، في قصائده ترى فيها كلام موزون وقافية ولكن لا تترك تأثير أو تهز عاطفة ولهذا ترى كتبه تطبع وأوراقها تستعمل كراقطيس للتعبئة. إن الكتابة ليست هذيان المداد بل هو الذكريات والمعانات والدموع . من ينام في الساعة 10 مساء لا يعرف جمال الليل ولا عبير الياسمين في السحر .. إن شذى الياسمين يتدفق عند الفجر .. في تلك اللحظات يكمن السر .. همس الجفون.

 

 الذكريات تستقر في أعماق الأعماق وتبقى في النفس وينقل الشاعر أو الكاتب إلى الناس هذه التجربة الإنسانية العاطفية حتى يعيشوا فيها وهو يدفع حريق عواطفه .. إنه الشمعة التي تحترق ولكنها تضئ الطريق للآخرين نحو الحب والفن والجمال ، نحن نعيش ذكرى حياتنا وذكرى الآخرين ، هناك من يستمع إلى الأغنية ويعيش كل نغمة وتر ونبض قلب الأغنية وتدخل إلى روحه ويعتقد في نفسه إن الأغنية له وتعبر عن قصته ولهذا ينجح العمل الفني أكان أغنية أو قصيدة عندما تناجي عواطف الناس، وكما الشاعر الرقيق محمد سعيد جراده : يا حبيبي سوف أحيا هذه الليلة وحدي .. وسيحيها رواة الشعر بعدي . أراد هذا الشاعر أن يعيش الناس معه التجربة والفرحة عند اللقاء في تلك الليلة من العمر ، تلك الليلة كانت ضجة كبرى وبركان ونيران ، تلك الليلة كتب لها الخلود في عالم الفن والجمال ، صدق الشاعر ما زلنا نعيش معه تلك الليلة ، لقد رحل عن عالمنا من مدة طويلة ولكن ليلته ستبقى في قلوب رواة الشعر إلى الأبد.

 

في العصر العباسي العصر الذهبي جاء أحد الشعراء إلى أحد الخلفاء وقال له أنا أستطيع أن أعرف في أي قرية ذهبت إليها حبيبتي دون أن أعرف مسبقآ أي قرية ذهبت إليها ، قال لهم أختاروا 10 قرى وخذوا حبيبتي إلى أي قرية بإختياركم وأتروكها ثم أرجعوا إلينا  فأنا أستطيع أن أعرف في أي قرية تركتم فيها حبيبتي. فلما رجعوا إلى الخليفة سألوا الشاعر في أي قرية تركنا فيها حبيبتك ، قال لهم أبدوا أذكروا لي اسم القرى العشر قرية بعد قرية ،  ذكروا له أسم القرى واحدة بعد أخرى ، فجأة قال لهم توقفوا عند هذه القرية إنها موجودة فيها. ذهل الخليفة والجميع في المجلس، كانت القرية هي القرية الصحيحة التي تُركت فيها حبيبته. خيم على مجلس الخليفة صمت عميق وذهول . سأل الخليفة الشاعر كيف عرفت ذلك ؟ هل أنت ساحر؟ أجاب لا ،  قال لهم عندما ذكرتم أسم هذه القرية التي تركتم فيها حبيبتي خفق قلبي بشدة ، إن قلبي يسمع ويعرف أين تكون فعرفت إنها موجودة في هذه القرية ، إن قلبي يراها عبر الأثير .. إنها موجودة في روحي وكياني. نقول هنا إن هذا الشاعر قلبه ليس مضخة للدم فقط ، إن له قلب أستوطن فيه الوجد فغاص في الأعماق ..  قلب يسمع ويرى.

 

الكتابة والشعر والموسيقى هي أرقى الفنون وليس كل شخص يستطيع أن يمارسها ولكن العظمة هي في تركها التأثير في عواطف الآخرين ومشاعرهم إنها هبة ربانية وتجربة ومعاناة  ، إن الذكرى تصنع الإبداع ، الذكرى وكيف تنقلها إلى الآخرين وتجعلهم يعيشوا سعداء مثلك  وكما يقول الشاعر الرقيق أحمد رامي في أروع تعبير : فضلت أعيش في قلوب الناس .. وكل عاشق قلبي معاه. في أحدى الليالي كنت وصديقي عشيق الليدي شاترلي نسير بجانب أحد أرصفة ميناء مالمو في السويد  وقد خرجنا من أحد المقاهي في منتصف الليل  بعد الإحتفال بعيد ميلاد صديقي ، أهديته في هذه المناسبة هدية وطلبت منه فتحها وكانت عطر كارتيه الثمين بتلك الزجاجة الفاخرة التي كانت تحفة فنية رائعة وطلبت منه أن يشم العطر ففعل ذلك وقال جيد بإقتضاب وكأنه أدرك قصدي من ذلك ، أذهلني فقلت له مباشرة يا صديقي قل لي ما الذي يجعلك طوال هذه السنيين تعيش ذكرى عطر شانيل 5 وحييتك الليدي شاترلي قال : شذى الحنون - همس  الجفون.

 

عام 1960 في بلادي الجميلة عدن شاهدت في سينما "شيناز" فيلم أمريكي اسمه Summer Place  وكان فلم جيد وقد شاهدت في حياتي كثير من الأفلام في رحلتي حول الدنيا ، كان فلم عادي ليس فيه جديد وحتى أني نسيت قصة الفيلم  ولكن لا أدري لسبب ما أو لآخر أستقرت في أعماقي الموسيقى التصورية للفلم ، كانت قطعة فنية من إبداع لا يمكن أن يتكرر، 50 سنه من عمري مرت منذ مشاهدتي الفلم ذهبت إلى أقصى الأرض سمعت ورأيت الكثير ولكن هذا اللحن الخالد يسكن في نفسي على طول المدى نغم ، لا أعرف حتى أسمه ولكنه يسكن أنفاسي ، إن صداه في روحي . عام 2000 بدأت استعمل يو تيوب وفي ليلة من الليالي كتبت على الشاشة أسم الفلم  ، فجأة تدفق اللحن يهزني شعرت بالذهول دارت بي الدنيا وأنسابت الموسيقى التي عاشت في كياني ، شعرت أن العمر ثواني رجعت بي إلى الوراء 50 سنه ، بكيت حتى جفت دموعي ، كان شريط رجع بي إلى بلادي التي أخذوها مني في غفلة من الزمن وكل ذكرى جميلة في حياتي ، لأول مرة أعرف إن القطعة الموسيقية التي عاشت في روحي اسمها Theme of The Summer Place  سمعتها وأعدت سماعها حتى الفجر ، سرت النشوة في عروقي وفرحت بها كطفل أعادوه إلى حضن أمه – نعم هذا النغم أعادني إلى حضن أمي .. أمي عدن .

 

محمد أحمد البيضاني